اعلم أن التوحيد
يطلق على معان أحدها نفي الشريك في الإلهية أي استحقاق العبادة وهي أقصى غاية
التذلل والخضوع ولذلك لا يستعمل إلا في التذلل لله تعالى ، لأنه المولى لأعظم
النعم بل جميعها ولو بواسطة ووسائط فهو المستحق لأقصى الخضوع وغايته ، وأكثر
الآيات والأخبار تدل على ذلك ، والمخالف في ذلك مشركو العرب وأضرابهم فإنهم بعد علمهم
بأن صانع العالم واحد كانوا يشركون الأصنام في عبادته كما قال تعالى ( وَلَئِنْ
سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ )[١]. وثانيها : نفي الشريك في صانعية العالم كما قال تعالى ( رَبِّ
الْعالَمِينَ ) وقال تعالى : ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ
شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ )[٢] وأمثالها وخالف في ذلك الثنوية وأضرابهم ، وثالثها : ما
يشمل المعنيين المتقدمين وتنزيهه عما لا يليق بذاته وصفاته تعالى ، من النقص
والعجز والجهل والتركب والاحتياج والمكان وغير ذلك من الصفات السلبية وتوصيفه
بالصفات الثبوتية الكمالية ، ورابعها : ما يشمل تلك المعاني وتنزيهه سبحانه عما
يوجب النقص في أفعاله أيضا من الظلم وترك اللطف وغيرهما ، وبالجملة كل ما يتعلق به
سبحانه ذاتا وصفاتا وأفعالا إثباتا ونفيا ، والظاهر أن المراد هنا هذا المعنى.