تقول زيد في الدار ، فهاهنا أمران
مستقلان مفهوماً ومصداقاً وهو « زيد » و « دار » وهناك مفهوم ثالث وهو « كون زيد
في الدار » فهو مفهوم لا يتصوّر إلاّ مضافاً إلى زيد ودار كما لا يتحقق إلاّ بهما.
والاندكاكية واللااستقلالية في صميم ذاته وجوهر حقيقته على نحو لو انسلخ المعنى عن
هذا الوصف ، لعدم المعنى وانقلب المعنى الحرفي معنى اسمياً ، وبذلك أصبح المعنى
الحرفي أخسَّ المعاني تصوراً ووجوداً.
وقس عليه سائر الأمثلة الرائجة كقولك :
سرت من البصرة إلى الكوفة ، فهاهنا مفهومان مستقلان ماهية وذاتاً ، أحدهما السير ،
والآخر البصرة ، وهناك مفهوم ثالث وهو كون ابتداء السير من البصرة هو غير مستقل
مفهوماً إلاّ إذا أُضيف إلى سائر المعاني كالسير والبصرة ، كما هو غير مستقل
وجوداً فلا يتحقّق الابتداء بهذا المعنى إلاّ قائماً بالسير من البصرة. إلى غير
ذلك من الأمثلة.
وبذلك يعلم انّ الفرق بين المعاني
الاسمية والحرفية جوهري ، ينبع الفرق من جوهر معانيهما وصميم ذاتهما سواء أكان
هناك ملاحظ أم لا.
وبعبارة
أُخرى : الاستقلالية والآلية من صميم ذاتهما
على نحو لو سلختا عن هذين المعنيين لانعدما.
قال الشريف الجرجاني : كما أنّ في
الخارج موجوداً قائماً بذاته ، وموجوداً قائماً بغيره ، كذلك في الذهن معقول هو
مدرك قصداً ملحوظ في ذاته ، يصلح أن يحكم عليه وبه ، ومعقول هو مدرك تبعاً وآلة ،
كملاحظة غيره ، فلا يصلح لشيء منهما ، فالابتداء مثلاً إذا لاحظه العقل قصداً
وبالذات كان معنى مستقلاً بالمفهومية ، ملحوظاً في ذاته ، وهو بهذا الاعتبار مدلول
لفظ الابتداء فقط ، ولا حاجة في الدلالة