responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : نفحات الولاية نویسنده : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    جلد : 8  صفحه : 192

أيّ جهة عمورية، فقال له: الرجل هكذا، وأشار إلى جهتها، فردّ المعتصم وجهه إليها، وقال: لبيك أيتها الجارية، لبيك هذا المعتصم باللَّه أجابك، ثمّ تجهز إليها في اثنى عشر ألف فرس أبلق وفي هذه التلبية يقول له في قصيدة أبوتمام حبيب الطائي:

لَبيتُ صَوتاً رَطيباً قَد هَرقت لَه‌

كأس الكَرى وَرضاب الحَردِ العرب‌

فلما حاصرها وطال مقامه عليها، جمع المنجّمين، فقالوا له: إنا نرى أنّك ماتفتحها إلّافي زمان نضج العنب والتين، فبعد عليه ذلك واغتمّ لذلك، فخرج ليلةً متجسّساً في العسكر يسمع ما يقول الناس، فمرّ بخيمة حدّاد يضرب نعال الخيل، وبين يديه غلام أقرع قبيح الصورة بضرب نعال الخيل ويقول: في رأس المعتصم، فقال له معلمه: اتركنا من هذا، مالك والمعتصم فقال: ما عنده تدبير، له كذا وكذا يوماً على هذه المدينة على قوّته ولايفتحها، لو أعطاني الأمر ما بتّ غداً إلا فيها، فتعجّب المعتصم ممّا سمع وانصرف إلى خيامه وترك بعض رجاله موكّلًا بالغلام، فلمّا أصبح جاءوا به فقال: ما حملك ياهذا على ما بلغني عنك؟

فقال: الذي بلغك حقّ، ولكن ماوراء خبائك، وقد فتح اللَّه عمورية فقال: قد ولّيتك، وخلع عليه وقدّمه على الحرب، فجمع الرماة، واختار منهم أهل الإصابة وجاء إلى بدن من أبدان الصور وفي البدن من أوّله إلى آخره خطّ أسود من خشب، عرضه ثلاثة أشبار أو أكثر، فحمى‌ السهام بالنار وقال للرماة: من أخطأ منكم ذلك الخطّ الأسود ضربت عنقه، وإذا بذلك الخطّ خشب ساج، فعند ما حصلت فيه السهام المحميّة قامت النار فيه واحترق، فنزل البدن كما هو، وتحامى الرجال، ودخل البلد بالسيف، وذلك قبل الزمان الذي ذكره المنجّمون، وفي ذلك يقول أبوتمام حبيب الطائي في قصيدته التي امتدح بها المعتصم عند فتح عمورية:

السَّيفُ أَصدقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ‌

فِي حَدّهِ الحَدُّ بَينَ الجدِّ وَاللعبِ‌

بِيضُ الصَّفائِحِ لا سُودُ الصَّحائِفِ فِي‌

مُتونهِنّ جِلاءُ الشكِّ والرّيبِ‌ [1]

تأمّل: الحكومات الشعبية

كثر الكلام في عالمنا المعاصر عن الحكومات الجماهيرية؛ لكنها غالباً ما تنتهي إلى دكتاتوريات مرئية وغير مرئية تقتصر على حفظ مصالح الأقوياء والغاصبين، كونها تفتقر إلى العنصر المعنوي والورع السياسي.

وقلنا غير مرئية، كون الطغاة يستعينون بالوسائل الاجتماعية المتطورة وأبواق الدعاية في غسل أدمغة الجماهير ويصادرون آراءَهم بوعودهم المعسولة، والنموذج الواضح في عصرنا: الديمقراطية الأمريكية

أضف إلى ذلك فإنّ آراء هذه الحكومات في أفضل صورة حكومة النصف زائد واحد ونتيجة ذلك الاصطفاف بين الطبقة الحاكمة والنصف ناقص واحد، وقد رأينا في عصرنا مراراً الحكومات التي تتسلم الحكم من خلال آراء الشعب وحيث لم يعملوا لصالح الجبابرة فقد سعوا بشتى الوسائل لإسقاطهم، فنجحوا في أغلب الحالات، وكلّ ذلك كونهم يفتقرون في حكومتهم المادية للغاية للشرط الأساس المتمثل بالعنصر الروحي، وعدم شعورهم بالمسؤولية أمام اللَّه.

وما ورد في كلام الإمام عليه السلام في هذا الجانب من الخطبة يشير إلى سيادة الشعب بأحسن صورها، فقد تطرق بادئ الأمر إلى العنصر المعنوي للحكومة وذكّر الجميع أنّكم تغرقون بنعم اللَّه بحيث لا يسعكم شكر عشر أعشارها مهما اجتهدتم في طاعته ثم يوصي الحكام أنّكم لا تستغنون عن مساعدة كلّ فرد في المجتمع‌


[1]. الفتوحات الإسلاميّة، احمد بن زينى دحلان (2 مجلّد)، الطبع مؤسسة الحلبي القاهرة (1387 ق- 1968 م).

نام کتاب : نفحات الولاية نویسنده : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    جلد : 8  صفحه : 192
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست