ليوم الفاقة وقد خلوا بكل كيانهم للخالق حين كرّس الخلق أفكارهم في المخلوقات
«قد اتخذوا ذا العرش ذخيرة ليوم
فاقتهم، ويمموه [1] عند
انقطاع الخلق إلى المخلوقين
برغبتهم» «ذا العرش»
إحدى صفات اللَّه التي تدل على ذروة عظمة ذاته سبحانه، وذلك لأنّ العرش أسمى
موجودات عالم الخلقة. وقد اقتبست هذه الصفة من الآية الشريفة: «ذُوالعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ
يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ»[2]. نعم فلم يتعلق قلب هؤلاء سوى باللَّه ولايرون
من مصدر غيره للخير والفضيلة والبركة والنجاة في هذا العالم، ولاينال المؤمن هدفه
ما لم يسلك هذا السبيل لمعرفة اللَّه، أمّا العبارة:
«ذخيرة ليوم فاقتهم»
فتفيد وقوف الملائكة يوم القيامة للحساب وانتظار هم للآجر والثواب. ثم قال
عليه السلام:
«لايقطعون أمد غاية عبادته ولايرجع
بهم الاستهتار [3] بلزوم
طاعته إلّاإلى مواد [4] من
قلوبهم غير منقطعة من رجائه ومخافته»
، نعم فدوافع هؤلاء في الطاعة والعبودية إنّما يستقونها من مصدر خوف اللَّه
ورجائه الذي يضاعف معرفتهم باللَّه وسلوك السبيل المؤدي إلى قربه. ولذلك أكد
الإمام عليه السلام في العبارة اللاحقة في أنّ أسباب خوف اللَّه لم تنقطع عنهم
ليهنوا في سعيهم وجدهم
ثم أردفها عليه السلام بالقول بأنّ الاطماع لم تأسرهم وتستحوذ عليهم ليقدموا
سرعة سعيهم في امور الدنيا على جدهم في امور الآخرة:
«ولم تأسرهم الأطماع فيؤثروا وشيك [6] السعي على
اجتهادهم»
أجل فالذي يضعف الإنسان في طريق عبوديته الحق هو السقوط في مخالب الأهواء
والأطماع التي تعطل قواه وتصده عن طاعة ربّه.
ثم قال عليه السلام: فى صفة آخرى من صفات الملائكة
«لم يستعظموا ما مضى من أعمالهم،
[1] «يمموا» من مادة «يم» قصدوه
بالرغبة والرجاء عند ما انقطع الخلق سواهم إلى المخلوقين، ومنه «التيمم» الذي
يقصد فيه الإنسان ضرب يديه بالتراب ومسح ظاهرها وجبهته به.