«لا يحسب العلم في شيء ممّا أنكره،
ولا يرى أنّ من وراء ما بلغ مذهباً لغيره»
. والواقع أنّ هذا من لوازم الضحالة الفكرية وضيق العلم والمعرفة حيث يرى
الإنسان نفسه هو العلم الكامل فينكر كل ما ورائه فلا يرى من حرمة لأفكار الآخرين
وعلومهم، بينما لا يرى العالم الحق في العلم والمعرفة سوى الاعتراف بالجهل، فيسوقه
ذلك إلى التواضع للآخرين والاستماع إلى أقوالهم «فَبَشِّرْ عِبادِالَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ
فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ»[1] فهم يستمعون إلى الآخرين ويصطفون أحسن مايرد في كلامهم، في
حين يطالعك الجاهل المغرور الذي يتحدث على سبيل القطع وهو ليس على شيء.
وصفته السادسة التي ذكرها الإمام عليه السلام:
«وان أظلم عليه أمر اكتتم به لما يعلم
من جهل نفسه»
هذا هو الفارق والحد الفاصل بين العالم والجاهل، فالعالم إذا عرض له أمر مبهم
كرس له اهتمامه فان صعب عليه حله وإزالة ابهامه استشار من حوله واستفاد من أفكارهم
وانفتح على تجاربهم، بينما يهمله الجاهل ويمر عليه مروراً عابراً، لأنّ يعلم بأن
التعامل معه والتفكير فيه لا تزيده سوى فضيحة. وزبدة الكلام فهو يعمل على الخلاف
ممّا ورد في الروايات الإسلامية بعدم الحياء من قول لا أدري إذا عرض عليه ما لا
يعلمه ولا ينبغي أن يستنكف عن تعلمه «ولايستحين
أحد منكم إذا سئل عمّا لا يعلم أن يقول: لا أعلم، ولا يستحين أحد إذا لم يعلم الشيء
أن يتعلمه»[2].
والواقع هو أنّ عدم الالتزام بمضمون هذه الرواية إنّما يقود إلى اضرار فادحة تطيل
الشخص والمجتمع الذي يعيش كواحد من أفراده.
ثم أشار الإمام عليه السلام إلى حصيلة عمل هؤلاء القضاة الجهال عديمي الورع
والتقوى بقوله:
. أجل فما أكثر الدماء التي تسفك والأموال التي تهدر وهى تضج بصراخها من
الأحكام المجحفة التي يصدرها هؤلاء القضاة الجهال، فيطرق هذا الصراخ ضمير السامع
فيهز أعماقه، بينما يعيش هذا الجاهل نشوة الغرور