. والثالث أن يمنع شياطين الجن والانس الاذن بالنفوذ إلى قلبه ويشوهوا عليه
الحقيقة. ولم يكن لأيمن هذه المحاور الثلاث من سبيل إلى الإمام عليه السلام؛
وذلك لأنّه أوصد كافة الأبواب الباطنية والظاهرية للخطأ والانحراف بوجه الوساوس
والأهواء وتحلى بتقوى وورع وبصيرة جعلته يرى الحقيقة كما هى.
ذهب بعض شرّاح نهج البلاغة إلى أنّ المراد يقول عليه السلام:
«إنّ معي لبصيرتي»
، أنّ البصيرة التي كانت معى في زمن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في كافة
الأحداث المهمّة التي وقعت على عهده مازالت معي ولم تتغير. والعبارة إشارة إلى
الآية الشريفة
الجدير بالذكر أنّ الإمام عليه السلام قال: ما لبست على نفسي، ثم قال: ولا لبس
علي؛ الأمر الذي يكشف عن ترتيب طبيعي ينبغي فيه ألا يخدع الإنسان من قبل نفسه
أولًا ثم يأمن مكر الآخرين وخداعهم. ثم خاض فى المحور الثالث ليكشف عمّا ستؤول
إليه نتيجة موقعة الجمل محذرا خصومه بشدة
«و آيم [3] اللَّه لُافرطن [4] لهم حوضا أنا ماتحه [5]! لايصدرون عنه ولا
يعودون إليه»
. والواقع هو أنّ الإمام عليه السلام شبه ميدان القتال بالحوض الذي يريد ملأه
بالماء بحيث لايبقى معه من مجال؛ أراد عليه السلام لأملأن لهم حياض الحرب التي هى
دربتي وأنا مجرب لها، ثم يشير عليه السلام إلى النتيجة التي سيؤول إليها أهل
الجمل وهى لن تكون سوى القتل وإزهاق
[3] يرى بعض أرباب اللغة أن «آيم»
جمع «يمين» بمعنى القسم وقد سقطت النون وهى مبتدأ لخبر محذوف تقديره (و ايمن
اللَّه قسمي).
[4] «افرطن» من مادة «إفراط» بمعنى
تجاوز الحد (ما يقابل التقريط)، كما تأتي بمعنى ملأ الشيء حتى يفيض، وقد جاءت
بهذا المعنى في العبارة.
[5] «ماتح» بمعنى امتداد الشيء ثم
اطلقت على المستسقي الذي يدلي بدلوه لاستخراج الماء من البئر. وقيل إنّ الماتح لمن
يستسقى الماء من أعلى البئر، بينما المايح من تحته.