تستبطن سفك الدماء وتأجيج الأحقاد والأضغان التي توارثتها الأقوام أبا عن جد،
الأمر الذي شبهه القرآن بشفا حفرة من النار، فقال «وَاذكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذ كُنْتُمْ
أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً
وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ فَأَنْقَذَكُمْ»[1].
الخرافة الاخرى التي كانت تسود في الأذهان هو الاعتقاد بالرابطة القائمة بين
نزول المطر وبزوغ واختفاء بعض الكواكب، والتفؤل بالطيور والإيمان بالغول الصحراوي
والعفاريت وما شابه ذلك؛ الأمر الذي عبر عنه القرآن الكريم في أكثر من أية بالضلال
المبين. «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ
رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
الكِتابَ وَالحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ»[2].
نعم هذه صورة مقتضبة من الحالة التي كانت عليها العرب في الجاهلية- بل هذه
مميزات سائر الأقوام في الجاهلية التي تعددت أشكالها واتفقت مضامينها.
و من هنا يمكن الوقوف على عظمة الإسلام والقرآن وحامل رسالتها النبي الأكرم
صلى الله عليه و آله، الأمر الذي توصل إليه أحد أعلام الغرب ويدعى توماس كارل في
أنّ الله هدى العرب من الظلمات إلى النور بالإسلام ومن امّة راكدة متقاعسة لاصوت
فيها ولاحركة إلى أمّة ذات شهرة ومن الضعف والوهن إلى اليقظة والقوة، ومن الضعة
إلى العزة ومن العجز إلى القدرة. فقد شع نور الإسلام على العالم من جهاته الأربع
ولم يمضى عليه أكثر من قرن فبلغ المسلمون الهندالأندلس، بل استطاع الإسلام أن يبسط
نوره على تصف المعمورة بهذه المدّة القصيرة. [3]