خاض عليه السلام في جانب من الجوانب الفلسفية لشعيرة الحج فقال:
«وجعله سبحانه علامة لتواضعهم لعظمته
واذعانهم لعزته»
. فأعمال الحج من مناسك ومراسم إنّما تشتمل على أفعال غاية في التواضع لعظمة
اللَّه قلما نجد نظيرها في سائر الشعائر العبادية. وهذا ما يتجسد بوضوح في الاحرام
والتخلي عن اللباس الفاخر والاكتفاء بثياب الاحرام البيضاء غير الموصولة والطواف
في الكعبة والسعي بين الصفا والمروة والوقوف على جبل عرفة والتوقف في منى والمشعر
الحرام ورمي الجمرات والتقصير ما إلى ذلك من الأعمال التي تحطم ما تعيشه النفس
البشرية من غرور وكبر. ثم يشير عليه السلام إلى أنّ الوقوف في تلك المشاهد المشرفة
والوفادة على البيت لمن المفاخر الكبرى والنعم الجزيلة التي يمن اللَّه بها على
بعض عباده فيقول عليه السلام:
فقد ورد في بعض الأحاديث الإسلامية أنّ اللَّه أمر خليله إبراهيم عليه السلام
لما فرغ من بناء الكعبة بدعوة الناس إلى الحج.
فقال عليه السلام: إنّ صوتي لا يبلغهم. فجاءه الخطاب: إنّما عليك دعوتهم
وعلينا الابلاغ. فارتقى الخليل عليه السلام المقام الذي كان ملاصقاً للكعبة آنذاك
فجعل اصبعيه في أذنيه وقد استقبل الشرق والغرب فنادى بأعلى صوته:
«أيّها الناس كتب عليكم الحج إلى
البيت العتيق فأجيبوا ربّكم»
فناداه من خلف البحار السبع مابين المشرق والمغرب بل حتى النطف في قرارات
النساء وأصلاب الرجال ممن سمع صوته
ولعل التعبير بمواقف الأنبياء يشير إلى كثرة الأنبياء من بعد إبراهيم بل حتى
قبله طبقاً لبعض الروايات ممن حجوا البيت [5] أمّا العبارة التي صرّحت بتشبههم بالملائكة المطيفين
[1] «سماع» على وزن طلاب جمع «سامع»
كطلاب جمع طالب.
[2] ليس هنالك من فارق يذكر بشأن
الضمير في (إليه) ان كان عائداً لبيت اللَّه أو إلى لفظ الجلالة.
[4] شرح نهج البلاغة للمرحوم الخوئي
2/ 249 نقلًا عن الكافي؛ بحار الانوار 96/ 187.
[5] ورد في الأحاديث أنّ من الأنبياء
الذين حجوا البيت هم آدم ونوح وابراهيم وموسى ويونس وعيسى وسليمان ونبي الإسلام
صلى الله عليه و آله (شرح نهج البلاغة للمرحوم الخوئي 2/ 252).