ما تفيده عبارة أمير المؤمنين عليه السلام أنّ القدرة الإلهية المطلقة قد
أودعت الذات الإنسانية قابلية كافة أسباب الخير والصلاح والفلاح، وقد نشرت كافة
البذور والرياحين العطرة ساحة قلب الإنسانية الخصبة. والأنبياء من جانبهم يقومون
بري هذه البذور لتنبت أشجاراً محملة بالثمار والفاكهة فيستثيروا هذه الكنوز
الكامنة في النفس البشرية «ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكروهم منسي نعمته ... ويثيروا
لهم دفائن العقول» واستناداً لهذا فان الأنبياء لا يمنحون الإنسان شيئاً خارجاً عن
وجوده، بل ينمون ما لديه ويظهروا له مكنونه، حتى ذهب البعض إلى أنّ التعاليم
والمفاهيم التي تلقى على الإنسان إنّما تمثل تذكيراً له، فالعلوم والمعارف قد
اودعت النفس البشرية وما وظيفة المعلمين- سواء الأنبياء أو امتداداتهم- سوى إثارة
هذه المعارف من خلال تعاليمهم، وكأنّ هذه المعارف مصادر مياه جوفية تشق طريقها إلى
سطح الأرض بعد الحفر والتنقيب ولعل التعبير بالتذكير الذي ورد على لسان الآيات
القرآنية
«لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» و
«وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ»
شاهداً على صحة المعنى الذي أوردناه. والواقع أن هذا البحث متشعب وشامل لا
يسعنا استيعابه في هذه العجالة.
2- حوادث الاعتبار واليقظة
لقد تضمنت العبارة المذكورة إشارة إلى حقيقة وهى أنّ الأنبياء وإلى جانب
تعليمهم
[1] لقد ورد الفعل «سمى» بصيغة
المجهول في بعض نسخ نهج البلاغة وما ذكرناه سابقاً يتفق وهذه النسخة، أمّا إذا ذكر
بصيغة المعلوم تصبح العبارة بهذا الشكل «من سابق سمى له من بعده» إلّاانّ الاحتمال
الأول أنسب.
[2] «نسلت» القرون من مادة «نسل»
بمعنى تكاثر الأولاد، والعبارة كناية رائعة عن توالي القرون وكأن كل قرن قد ولد من
القرن السابق.