يستفاد من الآيات السابقة إمكانية كون بعض الرؤى مصدراً لإدراك بعض الحقائق،
وبتعبير آخر، فإنّ مسألة الكشف والشهود يمكنها أن تحصل في المنام كما تحصل في
اليقظة، وهذه الرؤى على ثلاثة أقسام (طبقاً للآيات السابقة):
1- بعض الرؤى تتحقق في الخارج عيناً من دون أي تغيير، مثل رؤيا الرسول،
زيارته مع الصحابة لبيت اللَّه الحرام التي جاءت في سورة الفتح.
2- منامات تتحقق وهي بحاحة إلى تفسير وتعبير، وتتحقق بتفسيرها لا بعينها، ولا
يفسرها إلّاالخبير بها، مثل المنامات الأربعة التي حصلت ليوسف ولصاحبيه في السجن
ولملك مصر، وقد ذكرت كلها في سورة يوسف.
3- الرؤيا التي فيها جانب حكم وإيعاز، وتُعدُّ نوعاً من الوحي يحصل عند النوم
مثل رؤيا إبراهيم عليه السلام.
بالطبع ليس مفهوم الكلام هذا أنّ كل منام يُعدُّ كشفاً أو شهوداً، بل إنّ
كثيراً من المنامات تُعدُّ أضغاث أحلامٍ، وتفتقد لأيمعنىً، وهي رؤى ناتجة عن
نشاط قوّة الوهم، أو عن الحرمان والكبت والمآسي وعدم الراحة والأذى.
سؤال:
قد يسأل البعض عن المنامات التي تتعلق بحوادث المستقبل، فهل هي نوع من العلم؟
أم هي (كما يعتقد فرويد العالم النفساني المعروف) لا شيء سوى إرضاء للشهوات
والميول المكبوتة والحرمان الحاصل للإنسان، فتتجلى له في المنام مع تغيّر وتبدّل
لخداع «الأنا» ولإرضاء الشهوة المكبوتة فإنّ الحلم إشباع خيالي لها، وقد ينعكس هذا
الميل بنفسه عيناً في الحلم (مثل رؤية عاشق لمعشوقته الفقيدة عيناً) وقد ينعكس في
منامه مع تغيير وتبديل، فيحتاج حينها إلى تعبير وتفسير.