طبقات
المجتمع حتى الخواص منهم. لا نريد أن نبتعد عن أصل الموضوع، ففي عالم الطبيعة الذي
نعيش فيه نرى كراراً قضية إحياء الموتى، غير أنّها و بسبب تعايشنا معها فهي لا
تسترعي إنتباهنا. يحل فصل الخريف، نتجول في الصحارى و السهول و ما زال كل شيء
لحدّ الآن قد إحتفظ بصورته الطبيعية فنرى الأشياء ذابلة و شاحبة، أوراق الأشجار
تلفظ أنفاسها الأخيرة و تسعى جاهدة للإلتصاق بأغصان الشجرة وبالتالي تستسلم لرياح
الخريف الباردة فتسقط على الأرض، الأغصان هي الاخرى تعيش حالة الجفاف و الذبول و
كأنّ الحياة لم تدبّ فيها أبداً، فإذا لاحت بوادر فصل الشتاء تسلطت عوامله
الطبيعية لتحيل الأشجار إلى جثث هامدة عارية يسودها الصمت التام فلا من طراوة و
لا ورق و لا ورد و لا ظل، و لم يبق منها سوى ساق أجرد أشبه بجهاز عظمي مهموم لاروح
فيه ولا حركة كالعظام النخرة التي تبقى من أجساد الأموات. و لعل هذه الصورة تتجلى بوضوح
في الصحاري القاحلة القفراء كصحراء الحجاز- التي لا تصلها سوى مياه الأمطار
الموسمية- فهي تبدو في فصل الشتاء بالضبط كالمقابر القديمة و المتروكة، حتى، صوت
البوم لا يسمع فيها بصفته الرفيق الحميم لمثل هذه الأماكن! ثم لايلبث ذلك طويلًا
تلوح آفاق فصل الربيع بنسيمه الحيوي و أمطاره المناسبة و حرارته المعتدلة الخلّابة
وبالتالي بجميع بركاته التي تجعل الأرض تتنفس الحياة لتدب في تلك العظام الخاوية
للأشجار، كما تفيض الحياة و الحركة و النشاط على تلك الصحاري القفار التي كانت
تفوح منها رائحة القبور القديمة و المتروكة، وأخيراً فإنّ قيامة عظيمة تقوم لتجتاح
أنحاء عالم الطبيعة.