لا داعي لهذا
التعطيل ... لأنّ حوادث العالم ظهرت هناك سابقاً. توضيح ذلك: كما تتألف روحنا من
جهازين «تلقائي» و «غير تلقائي» فإنّ القوانين الكبرى للعالم قد تبلورت في
مجالين؛ قوانين الخلق «التكوين» و قوانين التعاقد «التشريع» و كأنّ القوانين
الأولى تشكل جهازنا الروحي التلقائي و الثانية غير التلقائي. فقوانين الخلق تشق
سبيلها دون إرادتنا و عزمنا و توجهنا، و هي على غرار أجهزتنا التلقائية التي لا
تكترث لإرادتنا، أمّا القوانين التشريعية و ما يتعلق بالتربية و التعليم فهي تابعة
لإرادتنا، و ممّا لاشك فيه أنّ كل قانون بصفته قانوناً سماوياً أوحي للنبي قد كانت
له جذور في الخليقة و قد صودق من قبل مجلس الخليقة، و الحقيقة هي أنّ هذين
الجهازين هما الخيوط الأصلية لنسيج الوجود، فهل يمكن لخيوط قماش أن تتضارب مع
بعضها؟
قطعا لا. و
إلّالما كان هناك قماش و لابدّ أن تكون مكملة لبعضها البعض للحصول على قماش جميل،
على سبيل المثال وجودنا في هذا العالم دون علم يحيله إلى خواء لاروح فيه و ليس له
من قيمة، و من هنا فإن عصب عالم الوجود تكاتف ليسوقنا نحو العلم والمعرفة. فقد طرح
بادىء الأمر حبّاً شديداً في أعماق روحنا بحيث لاينفصل عنّا لحظة من المهد إلى
اللحد، فأحياناً بمطالعة المجرّات و أخرى بما يجري في المريخ و يوماً بخلايا
أبداننا و آخر بأسرار أعماق البحار و المحيطات والغابات، والخلاصة إنّ هذا المحرك
التلقائي لاينفك عنّا لحظة واحدة. و الطريف إنّنا نشاهد في التعاليم الدينية شبيه
ذلك تجسيداً لنداء الخلقة والفطرة: «اطْلِبُوا الْعِلْمَ مِنَ
الْمَهْدِ الَى الْلَّحْدِ»[1].