هذه الآية
الكريمة تشبّه في البداية حال المرابين يوم القيامة بالمجانين، أو الأشخاص الذين
أُصيبوا بالصرع بحيث لا يمتلكون القدرة عند ورودهم عرصات المحشر على استعادة
توازنهم و المحافظة على تعادلهم، فتراهم يترنحون في مشيتهم كالسكارى، و يتقدمون
خطوة و يقعون بعدها، و هكذا. و هذا التمثيل لحالهم في عرصات القيامة يحكي عن تجسّم
الأعمال في ذلك الموقف، فالأشخاص الذين يخلّون في الدنيا بالتوازن الاقتصادي في
المجتمع عن طريق الرِّبا يُبعثون و يُحشرون على هيئة السّكارى و المجانين، فلا
تستقيم حركاتهم و لا تتزن أبدانهم و لا تثبت على الصراط أقدامهم، ممّا يلفت إليهم
أنظار القاصي و الداني من أهل المحشر. هذا الجزاء الأليم يعتبر أحد الأدلّة على
حرمة الرِّبا، ثم يضيف القرآن الكريم: إنّ هذه العقوبة المخزية نتيجة أنّهم كانوا
يقولون (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) في حين
أنّهم يعلمون أنّ الأمر ليس كذلك، لأنّ المعاملات المشروعة تسير جنباً إلى جنب مع
مصلحة المجتمع و الإنسان، و إذا عادت بالفائدة و الربح على البائع أو المشتري،
فإنّها تعود كذلك على المجتمع أيضاً، و ترفع احتياجات أفراده، في حين أنّ المرابين
(كحشرة البعوض) التي تمتص دماء الناس و تعيش على حساب خيرهم و صلاحهم، فالمعاملات
الرّبويّة تبعث على تراكم الثروات العظيمة لدى عدّة معدودة دون تقديم خدمة إلى
المجتمع، و بهذا الدّليل كان البيع حلالا شرعاً و الرِّبا حراماً كذلك
(وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا).
بعض
المفسّرين احتمل أنّ الجملة الآنفة الذكر من كلام المرابين على