لمّا لم يكن أمر الحكومة على آلاف أو ملايين المسلمين أمراً سهلًا بسيطاً
يستطيع معه الوالي و إن كان متقدّماً في العلم و الفقه و العقل أن يقود الناس إلى
ما هو الأصلح و الأليق، بل إلى ما هو صالح و لائق بالمولى عليهم، فمصلحة المسلمين
تقتضي أن لا يترك الاستشارة في أموره، لا سيّما في الخطيرة منها، و إلّا فقد خرج
عن وظيفته الواجبة عليه، و سقط عن منصبه السامي، فليس للفقيه الاستبداد برأيه في
شيء من الأمور الراجعة، إلى مصالح المجتمع الإسلامي، و لذا ورد في الحديث عن أمير
المؤمنين (عليه السلام)
«من استبد برأيه هلك و من شاور الرجال
شاركها في عقولها»
و من المعلوم أن هلاك الوالي يؤدي إلى هلاك الأمّة أيضاً، بل و قد يؤدي إلى
زوال الإسلام في برهة من الزمان.
و لهذا أيضاً ذكر الله الشورى في كتابه في عداد الصلاة و الزكاة، و جعلها من
علامات الإيمان، فقال عزّ و جلّ (وَ ما
عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ. وَ
الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَمْرُهُمْ شُورى
بَيْنَهُمْ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَ الَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ
الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ).
و أي أمر أهمّ من أمر الحكومة؟ بل إضافة الأمر إلى الجميع، و كذا ذكر الانتصار
في مقابل البغي بعده، لو لم يوجب له ظهوراً في الأمور الهامّة التي لها صلة
بالمجتمع، فلا أقل من أنها أظهر مصاديقها و أوضح مواردها.
بل يظهر من أمره تعالى للنبي (صلى الله عليه و آله): بالمشاورة مع المؤمنين و
جعلها في عداد العفو عنهم و الاستغفار لهم و جلب قلوبهم إلى الإسلام.