أنه إن جعلت الولاية للفقهاء عامّة، ولاية فعلية، فأمّا أن يكون لكلّ واحد
منهم مستقلًا بالفعل، فهذا يوجب الاختلال، و الاختلاف الكثير، لتعدد الولاة بتعدد
العلماء، و هو أمر غير ممكن، لوقوع التشاجر و اختلال النظام، و أمّا أن يكون ولاية
بعضهم مشروطة بولاية بعض، أو كون الولاية للمجموع من حيث المجموع، و هذا ممّا لا
محصل له.
فلا بدّ أن يقال إن الفقهاء منصوبون لذلك شأنياً، و إنّما تكون ولايتهم فعلية
بانتخاب الناس، لا غير.
أقول: عند تعدد الفقهاء لو تصدى بعضهم لأمر الولاية و تدخل فيها، فعلى الباقين
قبول قوله و حكمه، كما هو كذلك في أمر القضاء أو رؤية الهلال مثلًا، و لو بلغ حد
التزاحم قبل التداخل، فلا يبعد استعمال المرجحات كما ورد في المقبولة، بناءً على
دلالتها على المقصود، بل يمكن التمسّك بالأولوية و لو على فرض اختصاصها بأمر القضاء،
و تشخيص المرجحات من العلم و الفقاهة و التدبير و الإحاطة بالأمور و الوثاقة و
غيرها إنّما هو على أيدي أهل الخبرة، كما هو كذلك في مرجع الفتوى و التقليد، و ليس
هذا من قبيل الانتخاب أبداً، بل من قبيل تشخيص المصداق الموجود في الخارج كما في
تشخيص الطبيب للسلامة و المرض في أمر الصوم.
و بالجملة فإن جميع هذه الموضوعات يرجع فيها إلى أهل الخبرة من دون الحاجة إلى
الانتخاب.
و قد جرى هذا الأمر في مرجع الفتوى و استقر تعيين الأعلم في الفقاهة على أهل
الخبرة من العلماء في فرد معين أو أفراد معيّنين في كثير من الأعصار، و لم يلزم من
ذلك اضطراب، و اختلال في نظام الأمة، نعم لا ريب في أنه فرق بين مسألة التقليد و
الولاية، و ليس مقصودنا المماثلة من جميع الجهات، بل الغرض أن حلّ مشكلة