و لا يخفى أنه إنّما نشأ التضخم المالي عند ما راجت النقود الورقية بين الناس
فإنه بعد ثبوت قيمة هذه النقود و ارتفاع قيمة سائر الأجناس يحصل التضخم، بينما لم
يكن هذا النوع من التضخم قبل رواج الأوراق المصرفية عين و لا أثر و ذلك للتعادل
النسبي الموجود بين قيمة الأجناس المختلفة من جانب و النقدين (أي الدرهم و
الدينار) من جانب آخر بحيث إذا حصل الارتفاع أو الانخفاض فإنه حصل لكليهما بنسبة
متساوية تقريباً.
للإجابة عن هذه التساؤلات لا بدّ من الإشارة إلى أمرين مُهمين:
الأمر الأوّل- أنّ الأشياء من حيث المالية على ثلاثة أقسام
1- مالية ذاتية:
هناك بعض الأشياء ذات مالية ذاتية و هي الأشياء المشتملة على خصلتين: 1- كونها
مفيدة للإنسان، 2- عدم وفورها في الخارج كالأغذية و وسائل النقل خلافاً للهواء و
ضوء الشمس فإنه مع احتياج الإنسان إليهما في بقائه و حياته لا يبذل بإزائهما شيئاً
من المال و ذلك لوفرتها في الخارج.
و هذه الأشياء لا يمكن سلب المالية عنها و إسقاطها عن المالية فإن المالية من
ذاتها و سلب الذاتي محال، خلافاً للأوراق النقدية حيث يمكن إسقاطها عن الاعتبار
كما قد اتفق في بعض الدول.
2- مالية شبه اعتبارية:
و هي كما في الأحجار الكريمة من الأشياء التي يرى العقلاء لها قيمة و إن لم
تكن كثيرة الفائدة للإنسان، و لعلّ من هذه الأشياء الذهب فإنه و إنْ يمكن أنْ يصنع
منه بعض الأشياء المفيدة لكنه ليس بحيث يوجب له هذه القيمة الفائقة. و من هنا توهم
أن مالية الذهب اعتبارية قد نشأت من اتفاق العقلاء على ذلك (أي إعطاءه المالية) و
لكنّه فاسدٌ.