معنى هذا حينئذ أنّ عصر الشريعة الإسلامية قد انقضى، فإنّ أحكامه الأولية غير
قابلة لإدارة شئون المجتمع، و لذا فهو يلجأ دائماً إلى المستثنيات لمعالجة ذلك.
و إن شئت قلت: الأحكام الثانوية كلّها تدور على موضوعاتها، فإذا انتفت انتفت،
و موضوع الضرورة و الاضطرار أمر عارضي غالباً ما ينتفي بعد مضي زمن و لا يبقى مدى
الأعصار و القرون عادة، فبناء غالب أحكام الدين عليها لا يناسب خلود الشريعة و
قدرتها على إدارة الحياة و حل معضلاتها.
التنبيه الثاني: قد يقع الإفراط و التفريط في الاعتماد على العناوين الثانوية
، فيؤخذ بالضرورة و الاضطرار في كلّ شيء فيه كلفة ما، مع أنّ غالب الأمور في
حياة الإنسان لا تخلو عن كلفة، و جميع التكاليف فيها كلفة ما؛ و لذا سمّي تكليفاً،
فلا يمكن رفع اليد بمجرّد ذلك و الحكم بحلّية كلّ محرّم؛ لأنّ في تركه كلفة يسيرة
و إلّا انفتح باب ارتكاب الكبائر و الصغائر على الناس، و قد رأينا بعض مَن لا خبرة
له بالأحكام و موضوعاتها في عصرنا هذا يتوقّع ارتفاع الحرمة عن الكبائر و الصغائر
بمجرّد أدنى ضرورة خفيفة، و لو كان الأمر كذلك فعلى الإسلام السلام.
و بالعكس نرى بعض الأفراد يوسوس في جريان لا ضرر في أبواب النكاح و غيرها، و
كذا لا يرى كفاية العسر و الحرج الشديد في تجويز بعض الممنوعات، مع ما ورد من أنّه
ما من شيء حرّمه الله إلّا و قد أحلّه لمن اضطرّ إليه [1]، قال الله تعالى (وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)[2]، و مفهوم الدين
واسع جدّاً.
التنبيه الثالث: هناك أربعة أقسام من الحكم:
1- الحكم الجاري على العناوين الأولية كوجوب الصلاة و حرمة الخمر.
[1] الوسائل: ج 4 ص 273 ب 13 من لباس
المصلّي ح 6. و لفظ الحديث
«ليس شيء ممّا حرّم الله إلّا و قد
أحلّه لمن اضطرّ إليه».