و لعلّ
الكثير من الأفراد الذين يدخلون المسلخ و يشاهدون الوضع فيه يتساءلون في أنفسهم عن
رأي الشرع المقدّس في هذه الظاهرة، و موقف الفقهاء و مراجع الدّين منها، و هل هي
من المسائل المستحدثة، أم كانت بهذا الشكل منذ عصر المعصومين و فقهاء السلف؟
في تلك
الفترة كنت من طلاب العلوم الدينية، و حديث عهد ببحوث الفقه الاستدلالي، و كنت
مقلّداً في عدد من المسائل، و منها مسائل الحج، فكانت وظيفتي الذبح ثمّ طرح
الأضحية في محلّها، أو أن أقوم بعملية صورية في أخذ النيابة من الفقير ثمّ القبول
من جانبه و تركها في نفس المحلّ.
و لكن بعد أن
حصلت على قدرة أكثر في استنباط المسائل، استغرقت في الفكر و عزمت على ملاحظة أدلّة
المسألة بالدقّة و التأمل اللائقين، و عدم الاقتناع بمقولة الآخرين و ممارساتهم
العملية، خصوصاً بعد أن تعقّدت المسألة بانتقال جميع الأضحية من منى إلى خارجه مع
أنّ من شروط صحة الأضحية عند فقهاء الشيعة كونها في منى، و عدم إجزاء ما يقع
خارجها، و لذلك تفحّصت جميع روايات أبواب الذبح بدقّة و تدبّر، و تعمّقت في كلمات
القوم و فتاوى الفقهاء الكرام و استدلالاتهم، و ناقشت بعضهم، و سعيت لأن أجرّد
ذهني من الخلفيات المعرفية حتّى أفتى في المسألة مع فراغ البال، و أستجلي الحقيقة
من روافدها الشرعية و أدلّتها المعتبرة،- كما حصل للعلّامة الحلّي (قدس سره) في
حكمه بردم بئر داره، ثمّ الفحص عن أدلّة اعتصام ماء البئر، و في النهاية أفتى
بالاعتصام خلافاً لجميع من كانوا قبله- فانتبهت إلى أنّ مثل هذه الأضاحي ليست
مجزية لوظيفة الحج، و على الحجّاج الاجتناب عنها و الاحتياط بالإتيان بها في أيام
ذي الحجّة في أوطانهم، أو مكان آخر.
و لهذا عزمت
على إظهار ما ثبت لي من الدليل على هذه الفتوى مع أداء التكريم و الاحترام لجميع
المراجع و الفقهاء العظام في فتاواهم، كيما ينفتح بذلك للباحثين باب بحث أكثر و
فحص أبلغ حول هذه المسألة المهمّة.