الإنسان مرتبة متقدمة في العلم و الفقه و العقل فغبطة المسلمين تقتضي أن لا
يترك الاستشارة في اموره، لا سيما في الخطيرة منها، و إلّا فقد خرج عن وظيفته
الواجبة عليه، من مراعاة الصالح بل الأصلح، و سقط عن مقامه السامي، فليس للفقيه
الاستبداد برأيه في شيء من الامور الراجعة إلى مصالح المجتمع الإسلامي، و لذا ورد
في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السّلام: «من أستبد برأيه هلك و من شاور الرجال
شاركها في عقولها» [1].
و من المعلوم أنّ هلاك الوالي يؤدّي إلى هلاك الامة أيضا، بل و قد يؤدّي إلى
هلاك الإسلام في برهة من الزمان.
و لهذا أيضا ذكر اللّه الشورى في كتابه في عداد الصلاة و الزكاة، و جعلها من
علامات الإيمان، فقال عز و جل: وَ ما
عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ* ... وَ الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ
وَ أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَ الَّذِينَ
إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ[2].
و أي أمر أهمّ من أمر الحكومة؟ بل إضافة الأمر إلى الجميع، و كذا ذكر الانتصار
في مقابل البغي بعده، لو لم يوجب له ظهورا في الامور الهامة التي لها صلة
بالمجتمع، فلا أقل من أنّها أظهر مصاديقها و أوضح مواردها.
بل يظهر ذلك من أمره تعالى للنبي صلّى اللّه عليه و آله بالمشاورة مع المؤمنين
و جعلها في عداد العفو عنهم و الاستغفار لهم و جلب قلوبهم إلى الإسلام.
إنّ المشورة مع الناس من أسباب جلب القلوب و مشاركتهم للوالي في الامور، و
اجتماعهم حوله و عدم انفضاضهم عنه، و ليست مشاورة النبي صلّى اللّه عليه و آله
معهم (و إن كان عالما