و كذا اتفق العقلاء من جميع الامم على ضرورة الحكومة للمجتمعات البشرية عدا ما
يلوح من الشيوعيين من عدم لزومها بعد تحقق الكمون المتكامل لأبناء البشر، و بعد
طرد النظام الطبقي فانّ الحكومة إنّما شرّعت- حسب زعمهم- لحفظ منافع الطبقة
الحاكمة، فإذا انتفى هذا النظام انتفت الحكومة.
و لكن هذه كلها أوهام و تخيلات واهية لا وزن لها عند ما نلمس الحقائق الراهنة
في المجتمع البشري، أمّا وصول الإنسان إلى مستوى عال من الأخلاق و التقوى الذي
يطرد أي اختلاف و تنازع فهو أمر بعيد المنال لا ينبغي البناء عليه في هذه الظروف
التي نعيش فيها و في المستقبل على ما نعهده.
سلّمنا تحقق ذلك، و لكن هذا لا يغني عن الحكومة، لأنّها ليست لدفع التزاحمات
فقط، بل هناك امور كثيرة تتعلق بحياة المجتمع ليست في عهده فرد معين أو أفراد
خاصين كبناء الطرق، و جلب الارزاق و دفع الآفات و العناية بشؤون الصحة و التعليم و
التربية، و تنظيم البرامج الاقتصادية التي قد تهلك الامة بدونها، أو تقع في حرج
شديد و عسر عسير، فما ذكر من بلوغ الامة إلى حد التناصف، أو بلوغها إلى حدّ حذف
الطبقة الظالمة على فرض تحققها، إنّما يوجب غناء الامة عن النظام القضائي و ما
يتعلق به فقط، و أمّا ما تتصدى له الآن وزارة «الصحة» و «التعليم» و «الثقافة» و
«الاقتصاد» مثلا، و غير ذلك ممّا هو كثير، فضرورتها باقية ما بقي الإنسان في
المجتمع، فحذف الحكومة من حياة الإنسان و هم في وهم، و خيال في خيال!
و إن شئت جعل هذا الدليل في صبغة إسلامية، فراجع كلمات المتكلّمين عند ذكر
وجوب بعث الرسل و انزال الكتب، أو وجوب نصب الإمام بعد ارتحال الرسول صلّى اللّه
عليه و آله من دار الدنيا، فانّه ينادي بأعلى صوته على ضرورة الحكومة في كل عصر و
زمان، مثل ما ذكره العلّامة الطوسي قدّس سرّه في شرح تجريد الاعتقاد حيث قال في
بحث لزوم البعثة:
«منها: أنّ النوع الإنساني خلق لا
كغيره من الحيوانات، فانّه مدني بالطبع، يحتاج إلى امور كثيرة في معاشه، لا يتم
نظامه إلّا بها، و هو عاجز عن فعل الأكثر منها إلّا بمشاركة و معاونة، و التقلب
موجود في الطبائع البشرية، بحيث يحصل التنافر المضاد لحكمة