و لنتكلم أولا في ضرورة الحكومة للناس، و أنّه لا بدّ لهم من أمير و حاكم، ثم
لنتكلم عن ما يدل على أولوية الفقيه في الإسلام بهذا المقام، ثم نعقبه بشرائطها ثم
حدودها، فهذه امور أربعة لا بدّ من البحث عنها.
[هنا أمور أربعة لا بد من البحث عنها]
الاول: ضرورة الحكومة للناس:
أمّا الأوّل: فيمكن إثباته من طرق:
أحدها: لا ريب في ان الحياة الإنسانية حياة تقوم على المجتمع، فلو تجرّدت حياة
من هذه الخصيصة انحدر الإنسان إلى أقصى مراتب الجاهلية الجهلاء و البهيمة و
الشقاء، لأنّ جميع المنافع و الآثار المطلوبة الحاصلة في المجتمع البشري من
الحضارات و التقدم نحو الكمال، و الأخلاق و الآداب و العلوم المختلفة، إنّما تكون
ببركة حياته الاجتماعية و ما فيها من انحاء التعاون و التعاضد بين أفراد المجتمع و
ما يفضي من تكاتف القوى و تراكم الافكار و تلاقح القابليات، فالانسان إذا عاش
منفردا كان كأحد الحيوانات، و إنّما أعطاه اللّه الميل و التجاذب نحو هذا اللون من
الحياة كي يتحصل على هذه المنافع العظيمة، و الكمال اللائق بحاله في بعديه المعنوي
و المادي، و قد أكد الشارع المقدس على الاحتفاظ بهذا النوع من الحياة، و جعله كأصل
ثابت، و كحجر أساس في جميع أحكامه و قوانينه، كما لا يخفى على من سبر أحكام
الإسلام بالدقة و التأمل.
ثم من الواضح أنّ حياة الإنسان في المجتمع، على رغم شتى البركات و المنافع
الضرورية، لا تخلو عن منافسات و مضاربات و منازعات، لا لغلبة الشهوات على الناس
فحسب، بل لما يقع هناك من الخطأ في تشخيص الحقوق و حدودها، فلا بدّ لهم من قوانين
تبيّن لهم ما يستحق كل واحد منهم، و ما هو طريق التخلص عن التزاحم ورد التعدي و
التجاوز و غير ذلك، و هذه القوانين بنفسها لا أثر لها في نفي هذه الامور، حتى يكون
هناك من ينفذها و يجريها، و لا يكون ذلك إلّا بايجاد الحكومة و لو بشكل ساذج بسيط.
و إذا اتفق المتكلمون من أصحابنا و غيرهم، على أنّ الإمامة واجبة بين المسلمين
إلّا ما قد يحكى عن أبي بكر الأصم من العامة أنّها غير واجبة، إذا تناصفت الامة و
لم تتظالم، و هو شاذ جدّا [1].
[1]. حكاه ابن أبي الحديد في شرح نهج
البلاغة، ج 2، ص 308.