ويجري البحث ابتداء في القطع عادةً بعنوان المقدّمة، كما يبحث فيه عن أمرين
قبل الورود في مسائل القطع:
الأمر الأوّل: في أنّ البحث عن أحكام القطع اصولي أو لا؟
قال المحقّق الخراساني رحمه الله أنّها أشبه بمسائل الكلام، ولعلّه يستفاد من
كلمات الشيخ أيضاً، وصرّح في تهذيب الاصول بأنّه بحث اصولي، وسكت عنه بعض آخر.
وظاهر كلام المحقّق الخراساني رحمه الله أنّها خارجة من مسائل الاصول لأنّ
الميزان في كون المسألة اصوليّة وقوعها في طريق استنباط الحكم الشرعي وحدّاً وسطاً
في القياس، وما للقطع من الأحكام ليس من هذا القبيل قطعاً، فلا يقال مثلًا «هذا
مقطوع الخمريّة، وكلّ مقطوع الخمريّة حرام، فهذا حرام» أو «هذا مقطوع الوجوب. وكلّ
مقطوع الوجوب واجب شرعاً، فهذا واجب شرعاً، فإنّ الوجوب أو الحرمة ثابت لنفس
الأشياء بما هي هي لا لمقطوع الوجوب أو مقطوع الحرمة.
وأمّا وجه كونها أشبه بمسائل الكلام أنّ البحث في الكلام بحث عن المبدأ
والمعاد وعن الثواب والعقاب، ومباحث القطع أيضاً يرجع في الواقع إلى البحث عن صحّة
مؤاخذة المولى وعدم صحّتها، فالبحث عن القطع المخطىء مثلًا يرجع إلى أنّه إذا
وافقه القاطع فهل على المولى أن يثيبه على الانقياد؟ أو إذا خالفه القاطع فهل
للمولى أن يعاقبه على التجرّي؟ فالبحث فيه