و لهذا قد يكون لبعض الهزائم و النكسات من الأثر في صياغة المجتمعات الإنسانية
و تربيتها ما يفوق أثر الانتصارات الظاهرية.
و الجدير بالذكر أن مؤلف تفسير المنار نقل عن استاذه مفتي مصر الأكبر الشيخ
محمد عبده أنه رأى النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم في المنام فقال له: «رأيت
النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم ليلة الخميس الماضية (غرة ذي القعدة سنة 1320)
في الرؤيا منصرفا مع أصحابه من أحد و هو يقول: «لو خيّرت بين النصر و الهزيمة
لاخترت الهزيمة» أي لما في الهزيمة من التأديب الإلهي للمؤمنين و تعليمهم أن
يأخذوا بالاحتياط و لا يغتروا بشيء يشغلهم عن الاستعداد و تسديد النظر [1].
و أما نتيجة هذه التربية و الصياغة التي يتلقاها المؤمنون في خضم المحن و
المصائب و اتون الحوادث المرة فهو حصول القدرة الكافية لدحر الشرك و الكفر دحرا
ساحقا و كاملا. و إلى هذا أشار بقوله: وَ
يَمْحَقَ[2]
الْكافِرِينَ.
فإن المؤمنين بعد أن تخلصوا- في دوامة الحوادث- من الشوائب يحصلون على القدرة
الكافية للقضاء التدريجي على الشرك و الكفر، و تطهير مجتمعهم من هذه الأقذار و
الشوائب، و هذا يعني أنه لا بدّ أولا من تطهير النفس ثمّ تطهير الغير.
أي التطهر ثمّ التطهير.
و في الحقيقة كما أن القمر- مع ما هو عليه من النور و البهاء الخاصين به- يفقد
نوره شيئا فشيئا أمام وهج الشمس و بياض النهار حتّى يغيب في ظلمة المحاق فلا يعود
يرى إلّا عند ما تنسحب الشمس من الأفق، كذلك يأفل نجم الشرك و أهله و تتضاءل قوة
الكفر و أشياعه كلّما ازداد صفاء المسلمين المؤمنين، و خلصوا من رواسب الضعف و
الاعوجاج و الانحراف.