و أجيالها القادمة كذلك ستعطي لتلك الأهداف الأهمية و القيمة اللازمة و ستنظر
إليها بعين الاحترام و الإكبار.
و يمكن أن يكون المراد من «الشهداء» هنا هم الذين يشهدون، فيكون معنى قوله وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ أي أن يتخذ منكم بوقوع هذه الحادثة في حياتكم- شهودا- لتعرفوا كيف أن عدم
الانضباط و عدم التقييد بالأوامر يؤدي إلى الهزيمة، و ينتهي إلى النكسة المؤلمة.
و إن هؤلاء الشهود سيعلمون الأجيال اللاحقة دروس الإنتصار و الهزيمة حتّى لا
يكرروا الأخطاء، و لا تقع حوادث مشابهة.
ثمّ إنه تعالى يختم هذا الاستعراض للسنن و الدروس و النتائج بقوله: وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ فهو لا ينصرهم و لا يدافع عنهم، و لا يمكّنهم من المؤمنين
الصالحين العاملين بتعاليم السماء الآخذين بسنن اللّه في الكون و الحياة.
الحوادث المرة ميدان تربية:
أجل، إن لمعركة «أحد» و ما لحق بالمسلمين فيها من هزيمة نتائج و آثارا، و من
نتائجها و آثارها الطبيعية أنها كشفت عن نقاط الضعف في الجماعة و الثغرات الموجودة
في كيانها، و هي وسيلة فعالة و مفيدة لغسل تلك العيوب و التخلّص من تلك النواقص و
الثغرات، و لهذا قال سبحانه: وَ
لِيُمَحِّصَ[1]
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا أي أن اللّه
أراد- في هذه الواقعة- أن يتخلص المؤمنون من العيوب و يريهم ما هم مبتلون به من
نقاط الضعف. إذ يجب لتحقيق الانتصارات في المستقبل أن يمتحنوا في بوتقة الاختبار،
و يزنوا فيها أنفسهم كما-
قال الإمام علي عليه السّلام: «في تقلب
الأحوال علم جواهر الرجال».
[1]- «التمحيص» و المحص أصله: تخليص
الشيء ممّا فيه من عيب.