إن القرآن ليس كتابا كبقية الكتب ذات النمط الكلاسيكي الذي يعتمد نظام الفصول
و الأبواب الخاصة، بل هو كتاب نزل «نجوما» و بصورة تدريجية طوال ثلاثة و عشرين
عاما، و ذلك طبقا للاحتياجات التربوية المختلفة، و في أماكن و أزمنة مختلفة، فيوم
حدثت معركة أحد و وقائعها نزلت الآيات التي تتحدث عمّا يرتبط بهذه المعركة من برامج
و قضايا حربية، و يوم كانت الحاجة تتطلب بيان بعض البرامج و التعاليم الاقتصادية
كالموقف من الربا، أو بعض المسائل الحقوقية كأحكام الزوجية أو بعض القضايا
التربوية و الأخلاقية كالتوبة كانت تنزل الآيات التي تتناول هذه الأمور.
فيستنتج من هذا أنه قد لا يوجد أي ارتباط خاص بين بعض الآيات و بين ما قبلها
أو ما بعدها، و ليس من الضروري أن نبحث عن مثل هذا الارتباط- كما يحاول بعض
المفسّرين ذلك- أو أن نتكلف افتعال ذلك بين قضايا لم يرد اللّه سبحانه الاتصال و
الارتباط بينها، لأن مثل هذا العمل لا يتفق مع روح القرآن و كيفية نزوله في
الحوادث المختلفة، و المناسبات المتنوعة و حسب الاحتياجات و الظروف المنفصلة.
على أنه لا ريب في أن جميع السور و الآيات القرآنية مرتبطة و مترابطة- على
وجه- و هو أن جميعها تؤلف برنامجا كاملا و منهاجا متكاملا مترابطا لصنع الإنسان و
صياغته، و تربيته بأفضل تربية و صياغة و أسماها، كما أنها بمجموعها نزلت لإيجاد
مجتمع فاضل، واع متقدم في جميع الأبعاد و الجوانب المادية و المعنوية.
و بما قلناه يعلل عدم ارتباط الآيات التسع التي أشرنا إليها مع ما تقدمها أو
يلحقها من الآيات في هذه السورة المباركة.