و كان هذا هو الأثر الطبيعي للأسلوب اللين في النهي عن المنكر.
الفرقة بعد الاتحاد من شيم النصارى و اليهود:
تقتضي أهمية الوحدة أن يركز القرآن الكريم و يؤكد عليها مرّة بعد أخرى، و لذا
يذكر بأهمية الاتحاد، و يحذر من تبعات الفرقة و النفاق و آثارها المشؤومة، بقوله وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا
مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ.
إن هذه الآية تحذر المسلمين من أن يتبعوا- كالأقوام السابقة مثل اليهود و
النصارى- سبيل الفرقة و الاختلاف بعد أن جاءتهم البينات و توحدت صفوفهم عليها،
فيكسبوا بذلك العذاب الأليم.
إنه في الحقيقة يدعو المسلمين إلى أن يعتبروا بالماضي، و يتأملوا في حياة
السابقين، و ما آلوا إليه من المصير المؤلم، بسبب الاختلاف و التشتت.
إنها لفتة تاريخية من شأنها أن توقفنا على ما ينتظر كلّ أمة من سوء العواقب
إذا هي سلكت سبيل النفاق، و تفرقت بعد ما توحدت، و تشتّتت بعد ما تجمعت.
إن إصرار القرآن الكريم في هذه الآيات على اجتناب الفرقة و النفاق إنما هو
تلميح إلى أن هذا الأمر سيقع في المجتمع الإسلامي مستقبلا، لأن القرآن لم يحذّر من
شيء أو يصر على شيء إلّا و كان ذلك إشارة على وقوعه في المستقبل.
و لقد تنبأ الرسول الأكرم بهذه الحقيقة و أخبر المسلمين عنها، بصراحة إذ قال:
«إن أمة موسى افترقت بعده على إحدى و
سبعين فرقة، و افترقت أمة عيسى بعده على اثنتين و سبعين فرقة، و أن أمتي ستفترق
بعدي على ثلاث و سبعين فرقة» [1].
[1]- نقلت هذه الرواية بطرق مختلفة عن
الشيعة و السنة و أما كتب الشيعة التي نقلت هذه الرواية فهي: