أمّا المراد
من (ذكر اللّه) في هذه الآية فهناك أقوال كثيرة بين المفسّرين، و لكنّ الظاهر
أنّها تشمل جميع الأذكار الإلهيّة بعد أداء مناسك الحجّ، و في الحقيقة أنّه يجب
شكر اللّه تعالى على جميع نعمه و خاصّة نعمة الإيمان و الهداية إلى هذه العبادة
العظيمة، فتكتمل الآثار التربويّة للحجّ بذكر اللّه.
بعد ذلك
يوضّح القرآن طبيعة مجموعتين من الناس و طريقة تفكيرهم.
مجموعة لا
تفكّر إلّا بمصالحها الماديّة و لا تتجّه في الدعاء إلى اللّه إلّا من هذه
المنطلقات الماديّة فتقول فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ
رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ[1].
و المجموعة
الثانية تتحدّث عنهم الآية بقولها وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ
رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ
النَّارِ.
و هذه
الفقرات من الآيات محل البحث تشير إلى هاتين الطائفتين و أنّ الناس في هذه العبادة
العظيمة على نوعين، فبعض لا يفكر إلّا بالمنافع الماديّة الدنيويّة و لا يريد من
اللّه سواها، فمن البديهي أنّه يبقى له شيء في الآخرة.
و لكنّ
الطائفة الثانية اتسعت آفاقهم الفكريّة فاتجّهوا إلى طلب السّعادة في الدنيا
باعتبارها مقدّمة لتكاملهم المعنوي و طلب السّعادة في الآخرة، فهذه الآية الكريمة
توضّح في الحقيقة منطق الإسلام في المسائل الماديّة و المعنويّة و تدين الغارقين
في الماديّات كما تدين المنعزلين عن الحياة.
أمّا ما
المراد من (الحسنة)؟ فهناك تفاسير مختلفه لها،
فقد ورد في
الرواية عن الإمام الصادق عليه السّلام في تفسير الحسنة: (إنّها
السّعة في الرّزق و المعاش و حس الخلق
[1]- «خلاق» كما يقول الراغب تعني الفضائل
الأخلاقية التي يكتسبها، و هنا على قول الطبرسي أنها تعني النصيب (الذي هو نتيجة
الفضائل الأخلاقية).