و فيما كان يعبد اللّه في محرابه، نادته ملائكة اللّه و قالت له إنّ اللّه
يبشّرك بمولود اسمه يحيى بل أنهم لم يكتفوا بهذه البشارة حتّى ذكروا للمولود خمس
صفات:
أوّلا: سوف يؤمن بالمسيح و يشدّ أزره بهذا الإيمان: مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ و «كلمة اللّه» هنا و في مواضع أخرى من القرآن سيرد شرحها- تعني المسيح عليه
السّلام- و قد جاء في التاريخ أنّ يحيى كان يكبر عيسى ستة أشهر، و كان أول من آمن
به. و إذا كان قد اشتهر بين الناس بالطهر و الزهد، فقد كان لإيمانه هذا بالمسيح
تأثير كبير على الناس، في توجيههم و حثّهم على الإيمان به.
و ثانيا: سيكون من حيث العلم و العمل قائدا للناس وَ سَيِّداً، كما أنّه
سيحفظ نفسه عن الشهوات الجامحة و عن التلوّث بحبّ الدنيا.
وَ حَصُوراً.
«الحصور» من الحصر، أي الذي يضع نفسه
موضع المحاصرة، أو الذي يمتنع عن الزواج، و إلى هذا ذهب بعض المفسّرين، كما أشير
إليه في بعض الأحاديث.
و الرابعة و الخامسة من مميّزاته أيضا أنّه سيكون «نبيا» (و جاءت هذه الكلمة
بصيغة النكرة لدلالة على العظمة) و أنّه من الصالحين.
فلما سمع زكريا بهذه البشارة غرق فرحا و سرورا، و لم يمتلك نفسه في إخفاء
تعجبّه من ذلك، فقال رَبِّ أَنَّى يَكُونُ
لِي غُلامٌ وَ قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَ امْرَأَتِي عاقِرٌ