في تعبير زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ ...[1] جاء الفعل
مبنيّا للمجهول، أي أنّ الفاعل المجهول قد زيّن للناس حبّ الزوجة و الأولاد و
الأموال. في هذه الحالة يخطر للمرء هذا السؤال: ترى من هو الذي زيّن هذه الأمور
للناس؟
بعض المفسّرين يرون أنّ هذه المشتهيات من عمل الشيطان الذي يزيّنها في أعين
الناس، و يستدلّون على ذلك بالآية 24 من سورة النمل: وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ و أمثالها. إلّا أنّ هذا الاستدلال لا يبدو صحيحا، لأنّ
الكلام في الآية التي نبحث فيها لا تتكلّم عن «الأعمال»، بل عن الأموال و النساء و
الأبناء.
إنّ التفسير الذي يبدو صحيحا هو أنّ اللّه هو الذي زيّن للناس ذلك عن طريق
الخلق و الفطرة و الطبيعة الإنسانية.
إنّ اللّه هو الذي جعل حبّ الأبناء و الثروة في جبلّة الإنسان لكي يختبره و
يسير به في طريق التربية و التكامل، كما يقول القرآن إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها
لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا[2].
ممّا يثير الالتفات في الآية أنّ الزوجة أو المرأة قد وردت أوّلا، و هذا هو ما
يقول به علماء النفس اليوم، بأنّ الغريزة الجنسية من أقوى الغرائز في الإنسان، كما
أنّ التاريخ المعاصر و القديم يؤيّد أنّ كثيرا من الحوادث الاجتماعية ناشئة عن
طغيان هذه الغريزة.
و ينبغي القول أيضا إنّ هذه الآية و الآيات المشابهة لا تذمّ العلائق المعتدلة
مع المرأة و الأولاد و المال، لأنّ التقدّم نحو الأهداف المعنوية غير ممكن بدون
الوسائل المادّية، و هي لا تتعارض مع نواميس الخلق الطبيعية. إنّما المذموم هو
[1]- الشهوات: جمع شهوة، أي حبّ شيء
من الأشياء حبّا شديدا، و لكنها في هذه الآية بمعنى المشتهيات.