في علم الأجنّة. فهذا الجنين يبدأ بخلية، لا شكل لها و لا هيكل و لا أعضاء و
لا أجهزة. و لكنّها تتّخذ أشكالا مختلفة كلّ يوم و هي في الرحم، و كأنّ هناك فريقا
من الرسّامين المهرة يحيطون بها و يشتغلون عليها- ليل نهار و بسرعة عجيبة- ليصنعوا
من هذه الذرّة الصغيرة و في وقت قصير إنسانا سويّا في الظاهر، و في جوفه أجهزة
دقيقة رقيقة متعقّدة و محيّرة. لو أنّ فيلما صوّر مراحل تطوّر الجنين- و قد صوّر
فعلا- و شاهده الإنسان يمرّ من أمام عينيه لأدرك بأجلى صورة عظمة الخلق و قدرة
الخالق.
و العجيب في الأمر أنّ كلّ هذا الرسم يتمّ على الماء الذي يضرب به المثل في
عدم احتفاظه بما يرسم عليه.
من الجدير بالذكر أنّه عند ما يتمّ اللقاح و يخلق الجنين للمرّة الأولى يسرع
بالانقسام التصادي على هيئة ثمرة التوت التي تكون حبّاتها متلاصقة، و يطلق عليه
اسم «مرولا». و في غضون هذا التقدّم تخلق «المشيمة» و تتكامل، و تتّصل من جهة قلب
الأم بوساطة شريانين و وريد واحد، و من الجهة الأخرى تتّصل بسرّة الجنين الذي يتغذّى
على الدم القادم إلى المشيمة.
و بالتدريج و على أثر التغذية و التطور و اتجاه الخلايا نحو الخارج يتجوّف
باطن «المولا»، و عندئذ يطلق عليه اسم «البلاستولا»، و لا تلبث هذه حتى يتكاثر عدد
خلاياها، مؤلّفة كيسا ذا جدارين، ثمّ يحدث فيه انخفاض يقسم الجنين إلى قسمي الصدر
و البطن.
إلى هنا تكون جميع الخلايا متشابهة و لا اختلاف بينها في الظاهر. و لكن بعد
هذه المرحلة يبدأ الجنين بالتصوّر، و تتشكّل أجزاؤه بأشكال مختلفة بحسب وظيفتها
المستقبلية، و تتكون الأنسجة و الأجهزة، و تقوم كلّ مجموعة من الخلايا ببناء أحد
أجهزة الجسم و صياغته، كالجهاز العصبي و جهاز الدورة الدموية،