الذين يقولون إننا نعبد الأوثان لتكون شفعاءنا عند اللّه كما ورد في الآية 3
من سورة الزمر ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا
إِلَى اللَّهِ زُلْفى[1].
و هذه الآية من نوع الاستفهام الاستنكاري، أي ما من أحد يتقدّم بشفاعة إليه
بإذنه. هذه الآية تكمل في الواقع معنى قيّومية اللّه و مالكيّته المطلقة لجميع ما
في عالم الوجود. أي أننا إذا رأينا أحدا يشفع عند اللّه، فليس معنى ذلك أنّه يملك
شيئا و أنّ له تأثيرا مستقلّا، بل أنّ مقامه في الشفاعة هبة من اللّه. و لمّا كانت
شفاعته بإذن اللّه، فإنّ هذا بذاته دليل آخر على قيّومية اللّه و مالكيّته.
بحث
الشفاعة ليست محسوبية:
«الشفاعة» [2] هي العون الذي يقدّمه قويّ لضعيف لكي يساعده
على اجتياز مراحل تكامله بسهولة و نجاح.
إلّا أنّ الكلمة تستعمل عادة في التوسّط لغفران الذنوب. غير أنّ مفهوم الشفاعة
أوسع من ذلك و تشمل جميع العوامل و الدوافع و الأسباب في عالم الوجود، على سبيل
المثال التربة و الماء و الهواء و أشعة الشمس هي العوامل الأربعة التي تشفع لبذرة
النبات و تعينها على الوصول إلى مرحلة النضج لتصبح شجرة أو نبتة متكاملة. و لو
نظرنا إلى الشفاعة في الآية الكريمة بهذا المعنى الواسع أدركنا أنّ وجود العوامل و
الأسباب المختلفة لا يحدّد مالكيّة اللّه المطلقة و لا يقلّل منها، لأنّ تأثير هذه
العوامل كافّة لا يكون إلّا بإذن اللّه و أمره، و هذا أيضا
[1]- وردت «ما» في جملة (ما في
السموات و ما في الأرض) للموجودات غير العاقلة، و مع أن الموجودات العاقلة أيضا
مملوكة للّه سبحانه جاءت «ما» للتغليب لأن الغلبة الأكثرية للموجودات غير العاقلة.
[2]- تحدّثنا عن الشفاعة في المجلد
الأول الآية (48) من سورة البقرة بصورة مفصلة.