إن هذه الآية التي تصف مشهدا من مشاهد القيامة، تبيّن بوضوح أنّ المراد من
الساعة في الآية السابقة هو يوم القيامة أيضا، اليوم الذي تنفصم فيه عرى العلاقات
الأخوية و الصداقة و الرفقة، إلّا العلاقات التي قامت للَّه و في اللَّه و باسمه.
إن تبدل مثل هذه المودة إلى عداوة في ذلك اليوم أمر طبيعي، لأنّ كلا منهم يرى
صاحبه أساس تعاسته و سوء عاقبته، فأنت الذي دللتني على هذا الطريق و دعوتني إليه،
و أنت الذي زينت الدنيا في نظري و رغبتني فيها و أطمعتني.
نعم، أنت الذي أغرقتني في بحر الغفلة و الغرور، و جعلتني جاهلا بمصيري، غافلا
عنه.
و هكذا يقول كل واحد منهم لصاحبه مثل هذه المطالب، إلّا المتقين الذين تبقى
روابط أخوتهم، و أواصر مودّتهم خالدة، لأنّها تدور حول محور القيم و المعايير
الخالدة، و تتّضح نتائجها المثمرة في عرصة القيامة أكثر، فتمنحها قوّة إلى قوّتها.
من الطبيعي أنّ الأخلاء يعين بعضهم بعضا في أمور الحياة، فإن كانت خلتهم على
أساس الشرّ و الفساد، فهم شركاء في الذنب و الجريمة، و إن كانت على أساس الخير و
الصلاح فهم شركاء في الثواب و العطية، و على هذا فلا مجال للعجب من أن يتبدل
الخليل من القسم الأوّل الى عدوّ، و من القسم الثّاني إلى خليل يشتد حبّه و مودّته
أكثر من ذي قبل.
يقول الإمام الصادق عليه السّلام: «ألا كل خلّة
كانت في الدنيا في غير اللَّه عزّ و جلّ فإنّها تصير عداوة يوم القيامة» [1].
و الآية التالية- في الحقيقة- تبيان لأوصاف المتقين و أحوالهم، و بيان
لعاقبتهم التي تبعث على الفخر و الاعتزاز.
في ذلك اليوم العصيب يقول لهم اللَّه تعالى: يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَ لا أَنْتُمْ
تَحْزَنُونَ.
[1]- تفسير علي بن إبراهيم، طبق نقل
نور الثقلين، ج 4: صفحة 612.