و المراد من «الساعة» في هذه الآية- ككثير من آيات القرآن الأخرى- هو يوم
القيامة، لأنّ الحوادث تقع سريعة حتى كأنّها تحدث في ساعة واحدة.
و جاءت هذه الكلمة- أيضا- بمعنى لحفظة انتهاء الدنيا، و لما لم يكن بين هذين
المعنيين كبير فرق، فمن الممكن أن يكون هذا التعبير شاملا لكلا المعنيين.
و على أية حال، فقد وصف قيام الساعة، الذي يبدأ بانتهاء الدنيا المفاجئ،
بوصفين في الآية أعلاه: الأوّل: كونه بغتة، و الآخر: عدم علم عامة الناس بتأريخ
وقوعها و حدوثها.
من الممكن أن يحدث حدث فجأة، و لكنّا نتوقع حدوثه من قبل، و نكون على استعداد
لمواجهة المشاكل التي تنجم عنه، إلّا أن سوء الحظ و التعاسة في أن تقع فاجعة قاسية
و صعبة جدّا، بصورة مفاجئة و نحن غافلون عنها تماما.
هكذا بالضبط حال المجرمين، فهم يؤخذون و هم في غفلة تامة، بحيث تصور الروايات
الواردة
عن نبيّ الإسلام الأكرم صلى اللَّه عليه و آله و سلّم ذلك فتقول: «تقوم الساعة و الرجلان يحلبان النعجة، و الرجلان يطويان
الثوب، ثمّ قرأ صلى اللَّه عليه و آله و سلّم: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ
بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ[1].
و أي شيء آلم من أن يكون الإنسان غافلا أمام مثل هذه الحادثة التي ليس فيها
أي طريق أو منفذ للرجوع و الخلاص، و يغرق في أمواجها من دون أن يكون معدّا
لمستلزمات النجاة؟
ثمّ رفعت الآية الغطاء عن حالة الأخلاء الذين يودّ بعضهم بعضا، و يسيرون معا
في طريق المعصية و الفساد، و الاغترار بزخارف الدنيا، فتقول: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ
إِلَّا الْمُتَّقِينَ[2].
[2]- «الأخلاء» جمع (خليل)- من مادة
خلة- بمعنى المودّة و المحبّة، و أصلها من الخلل- على وزن شرف- أي الفاصلة بين
جسمين، و لما كانت المحبة و الصداقة كأنّها تنفذ في أعماق القلب و ثناياه، فقد
استعملت فيها هذه الكلمة.