خلقهم للرحمة
وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ[1]، و لهذا
فإنّ إعراضكم و عنادكم سوف لا يمنع لطفه مطلقا، و ينبغي أن لا يفتر النّبي صلى
اللَّه عليه و آله و سلّم و المؤمنون الحقيقيّون، فإنّ لهذا الإعراض عن الحق و
اتباع الشهوات و الهوى و الميول تاريخا طويلا.
لكن، و من
أجل أن لا يتصور هؤلاء بأنّ لطف اللَّه اللامتناهي سيحول دون عقابهم في النهاية،
لأنّ العقاب بنفسه من مقتضى حكمته، و لذلك يضيف في الآية التالية:
فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَ مَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ.
فالآية تخاطب
النّبي صلى اللَّه عليه و آله و سلّم، بأنّنا سبق و أن ذكرنا لك نماذج كثيرة من
هذه الأقوام العاصية الطاغية، و أوحينا إليك تفصيل حالهم بدون زيادة أو نقصان، و
كان من بينهم أقوام أقوى و أشدّ من مشركي العرب كثيرا، و لهم إمكانيّات و ثروات و
أفراد و جيوش و إمكانات واسعة ... كفرعون و آل فرعون، و التاريخ، و أوضح من ذلك أن
تتدبّروا ما نزل في القرآن في شأنهم لتعلموا أيّها الطغاة المعاندون أنّكم لستم في
مأمن من عذاب اللَّه الأليم أبدا.
«البطش»- كما يقول الراغب في المفردات- بمعنى
أخذ الشيء بالقوّة، و هنا اقترن بكلمة «أشدّ» و تعطي مفهوم شدّة القوّة و القدرة
أكثر.
و الضمير في
مِنْهُمْ يعود على مشركي العرب الذين خوطبوا في الآيات السابقة، إلّا أنّهم
ذكروا هنا بصيغة الغائب، لأنّهم ليسوا أهلا للاستمرار في مخاطبتهم من قبل اللَّه
تعالى.
و اعتبر بعض
كبار المفسّرين جملة وَ مَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ
إشارة إلى المطالب التي جاءت في السورة السابقة- سورة الشورى- حول جماعة من هؤلاء.
إلّا أنّه لا دليل لدينا على هذا التحديد، خاصّة و أنّه قلّما أشير إلى حوادث
الأمم الماضية في سورة الشورى، في حين وردت بحوث مفصّلة حولهم في سور أخرى من
القرآن.