الآية (22)
من سورة البروج: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ
مَحْفُوظٍ.
و الآن، لنر
ما هو المراد من «أم الكتاب»، أو «اللوح المحفوظ»؟
«الأم» في اللغة تعني أصل كل شيء و أساسه، و
إنّما يقول العرب للأم أمّا لأنّها أساس العائلة و مأوى الأولاد، و على هذا فإنّ
(أم الكتاب) يعني الكتاب الذي يكون أساسا لكل الكتب السماويّة، و هو ذلك اللوح
المحفوظ لدى اللَّه سبحانه، و المصون من كل تغيير و تبديل و تحريف .. إنّه كتاب
علم اللَّه المحفوظ لديه، و الذي أدرجت فيه كل حقائق العالم، و كل حوادث الماضي و
المستقبل، و كل الكتب السماويّة، و لا يستطيع أي أحد أن يصل إليه و يعلم ما فيه،
إلّا إذا أراد اللَّه سبحانه أن يعلم أحدا بالمقدار الذي يريده عزّ و جلّ.
و هذا وصف
عظيم للقرآن الذي ينبع من علم اللَّه اللامتناهي، و أصله و أساسه لديه سبحانه، و
لهذا يقول في الصفة الثّانية: (لعليّ) و في الثالثة (حكيم).
إنّ الشيء
الذي ينبعث من علم اللَّه اللامتناهي يجب أن يكون بهذه الصفات.
و اعتقد
البعض أنّ سموّ القرآن و علوّ مقامه نابع من أنّه فاق كلّ الكتب السماويّة، و
نسخها جميعا، و هو في أرفع مراتب الإعجاز.
و اعتبر
البعض الآخر علوّ القرآن لاحتوائه على حقائق لا تدركها أفكار البشر، و هي بعيدة عن
مدى ما تستوعبه عقولهم- إضافة إلى الحقائق التي يفهمها الجميع من ظاهر القرآن.
و لا تتضارب
هذه المعاني فيما بينها حيث تجتمع كلّها في مفهوم (عليّ).
و هنا مسألة
تستحق الانتباه، و هي أنّ (الحكيم) صفة للشخص عادة، لا الكتاب، لكن لمّا كان هذا
الكتاب السماوي بنفسه معلما عظيما و ناطقا بالحكمة ناشرا لها، فإنّ هذا التعبير في
محله تماما.
و قد وردت
كلمة «الحكيم» بمعنى المستحكم الحصين أيضا، و كلّ هذه المعاني جمعت في اللفظة
المذكورة، و هي صادقة في شأن القرآن الكريم، لأنّه حكيم بكل