مع أنّ العصيان يأتي في عرف اليوم- عادة- بمعنى الذنب و المعصية، إلّا أنّه في
اللغة يعني الخروج عن الطاعة و عدم تنفيذ الأمر سواء كان الأمر واجبا أو مستحبّا،
و بناء على هذا فإنّ استعمال كلمة العصيان لا يعني بالضرورة ترك واجب أو ارتكاب
محرّم، بل يمكن أن يكون ترك أمر مستحبّ أو ارتكاب مكروه.
إضافة لما مرّ، فإنّ الأمر و النهي يكون إرشاديا، كأمر و نهي الطبيب حيث يأمر
المريض أن يتناول الدواء الفلاني، و أن يجتنب الغذاء الفلاني غير المناسب، و لا
شكّ أنّ المريض إذا خالف أمر الطبيب فإنّه لا يضرّ إلّا نفسه، لأنّه لم يعبأ
بإرشاد الطبيب و نصيحته. و كذلك كان اللّه قد أمر آدم أن لا تأكل من ثمرة الشجرة
الممنوعة، فإنّك إن أكلت ستخرج من الجنّة، و ستبتلى بالألم و المشقّة الكبيرة في
الأرض، فخالف هذا الأمر الإرشادي، و رأى نتيجة مخالفته أيضا. و إذا لا حظنا أنّ
هذا الكلام كان في مرحلة وجود آدم في الجنّة، و هي مرحلة اختبار لا تكليف، فسيتّضح
معناه بصورة أجلى.
و إضافة لما مرّ، فإنّ العصيان أو الذنب يكون أحيانا متّصفا بالإطلاق، أي إنّه
يعدّ ذنبا من قبل مرتكبيه جميعا و بدون استثناء كالكذب و الظلم و أكل المال
الحرام، و يكون أحيانا نسبيّا، أي العمل الذي إن بدر من شخص ما فقد لا يكون ذنبا،
بل قد يعتبر أحيانا عملا مطلوبا و لائقا لصدوره من مثله، أمّا إذا صدر من آخر
فإنّه لا يناسبه نظرا إلى مكانته و منزلته.
فمثلا: تطلب المساعدة من قبل بعض الناس لبناء مستشفى، فيعطى العامل أجرة يوم
من عمله و التي لا تتجاوز أحيانا أكثر من عدّة دراهم. إنّ هذا الفعل الصادر من مثل
هذا الشخص يعدّ إيثارا و حسنة و هو مطلوب تماما، أمّا إذا أعطى رجل ثري هذا
المقدار من المال مثلا فإنّه لا يناسبه و لا يليق به فحسب، بل سيكون موضع ملامة و
مذمّة و تعنيف مع أنّه أساسا لم يرتكب حراما، بل ساهم و لو