لها من الصحّة- و من هنا ينكرون المعاد على الرغم من وضوح أدلّته و إشراق
حقيقته، و يقبلون الشرك من غير دليل صحيح عليه. و من الطبيعي أن يعاقب مثل هؤلاء
الذين داسوا حكم العقل بأقدامهم، و اتّجهوا في دروب الكفر و الشرك المظلمة بوعي
منهم.
و في النهاية تقول الآية: إِنَّهُ لا
يُفْلِحُ الْكافِرُونَ ما أجمل بداية هذه السورة قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ! و ما أجمل نهايتها المؤكّدة لبدايتها لا
يُفْلِحُ الْكافِرُونَ! هذه هي صورة جامعة لحياة
المؤمنين و الكافرين من البداية إلى النهاية.
و ختمت السورة بهذه الآية الشريفة كاستنتاج عام بأن وجّهت الكلام إلى الرّسول
صلى اللّه عليه و آله و سلّم: وَ قُلْ
رَبِّ اغْفِرْ وَ ارْحَمْ وَ أَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ.
و الآن و قد اختارت فئة الشرك سبيلا، و جارت فئة أخرى و ظلمت، فأنت- أيّها
الرّسول و من معك تدعون اللّه ربّكم أن يغفر لكم و يرحمكم بلطفه الواسع الكريم.
و لا شكّ في أنّ هذا الأمر بالدعاء شامل لجميع المؤمنين، رغم كون المخاطب به
هو النّبي بذاته.
و روي «أنّ أوّل سورة قَدْ
أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ و آخرها من
كنوز العرش، و من عمل بثلاث آيات من أوّلها، و اتّعظ بأربع من آخرها فقد نجا و
أفلح [1]».
و يحتمل أنّه يقصد الآيات الثلاث التي تلت عبارة قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ و التي تدعو إحداها إلى الخشوع في الصلاة، و تدعو الأخرى إلى اجتناب اللغو و
تدعو الثّالثة إلى الزكاة. فإحداها تنظّم علاقة الإنسان بربّه، و الاخرى تنظّم هذه
العلاقة مع الناس، و الثّالثة مع النفس.
و القصد من الآيات الأربع الأخيرة، هي الآية 115 و ما يليها التي تحدّثت
[1]- تفسير الفخر الرازي في آخر
الآيات موضع البحث المجلّد 23 و 24 مطبعة البهيّة المصرية- القاهرة- ص 128.