فأوّل سبب لتعاستهم هو تعطيل التفكّر في مضمون دعوة النّبي صلى اللّه عليه و
آله و سلّم و لو تفكّروا مليّا لما بقيت مشكلة لديهم.
و في المرحلة الثّانية تقول الآية:
أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ. سألت الآية مستنكرة: أ كانت الدعوة إلى التوحيد و المعاد، و الهدى إلى
الأعمال الصالحة مختصّة بهم دون آبائهم الأوّلين، ليحتجّوا بأنّها بدعوة، و
يقولوا: لماذا لم يبعثه اللّه للأوّلين، و هو لطيف بعباده؟
ليس لهم ذلك، لأنّ الإسلام من حيث المبادئ له مضمون سائر الرسالات التي حملها
الأنبياء عليهم السّلام فهذا التبرير غير منطقي و لا معنى له! و في المرحلة
الثّالثة تقول الآية: أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا
رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ.
أي إذا كانت هذه الدعوة صادرة من شخص مجهول و مشكوك، فيحتمل أن يقولوا بأنّ
كلامه حقّ، إلّا أنّ هذا الرجل مشكوك و غير معروف لدينا، نخدع بكلامه. و لكنّهم
يعرفون ماضيك جيدا، و كانوا يدعونك محمّدا الأمين، و يعترفون بعقلك و علمك و
أمانك، و يعرفون جيدا و الديك و قبيلتك، فلا حجّة لهم! و في المرحلة الرّابعة تقول
الآية: أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ أي انّه مجنون، فبعد اعترافهم بأنّك لست مجهولا بالنسبة
لهم، إلّا أنّهم يشكّكون في سلامة عقلك و ينسبونك إلى الجنون، لأنّ ما تدعو إليه
لا ينسجم مع عقائدهم، فلذلك اتّخذوا هذا دليلا على جنونك.
يقول القرآن المجيد لنفي هذه الحجّة:
بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِ و كلامه شاهد
على هذه الحقيقة، و يضيف وَ
أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ.
أجل، إنّ كلمات الرّسول راشدة حكيمة، إلّا أنّهم ينكرونها لعدم انسجامها مع
أهوائهم النفسيّة. فألصقوا به تهمة الجنون! في الوقت الذي لا ضرورة في توافق