تحدّثت هذه الآيات عن أقوام آخرين جاؤوا بعد قوم نوح عليه السّلام. و منطقهم
يتناغم و منطق الكفّار السابقين، كما شرحت مصيرهم الأليم، فأكملت بذلك ما بحثته
الآيات السابقة.
فهي تقول أوّلا: ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ
بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ.
«القرن» مشتقّ من الاقتران، بمعنى
القرب، لهذا يطلق على الجماعة التي تعيش في عصر واحد، كما تطلق هذه الكلمة على عصر
هؤلاء، و قياس زمن القرن بثلاثين أو مائة سنة يتّبع ما تعارفته الأقوام المختلفة.
و بما أنّ البشر لا يمكن أن يعيشوا دون قائد ربّاني، فقد بعث اللّه أنبياءه
يدعون إلى توحيده و يقيمون عدالته بين الناس، حيث تقول الآية التالية:
و هذه هي الركيزة الأساسيّة لدعوة الأنبياء، إنّها نداء التوحيد، اسّ جميع
الإصلاحات الفردية و الاجتماعية، و بعدها أكّد رسل اللّه لهم القول: إنّكم و بعد
هذه الدعوة الصريحة ألا تتركون الشرك و عبادة الأوثان: أَ فَلا تَتَّقُونَ.
أمّا أيّ قوم كان هؤلاء؟ و من هو نبيّهم؟
قال المفسّرون بعد دراسة الآيات المشابهة لهذه الآية: هناك احتمالان:
الأوّل: أنّهم قوم ثمود الذين عاشوا شمال الحجاز، و بعث اللّه النّبي «صالح»
عليه السّلام لهدايتهم، إلّا أنّهم كفروا و طغوا فأهلكهم اللّه بالصيحة السماوية
(الصاعقة القاتلة) و شاهد هذا التّفسير و دليله هو الصيحة التي ذكرت في ختام
الآيات موضع البحث، و التي جاءت في سورة هود الآية (67) حيث خصّت قوم صالح عليه
السّلام.
و الاحتمال الثّاني: خصها بقوم «عاد» الذين كان نبيّهم «هود» عليه السّلام، و
قد