إسرائيل
للتوجّه إلى الوطن الموعود (فلسطين)، إلّا أنّهم لمّا وصلوا إلى سواحل النيل علم
الفراعنة بهم، فتعقّبهم فرعون في جيش عظيم، فرأى بنو إسرائيل أنفسهم محاصرين بين
البحر و العدو، فمن جهة نهر النيل العظيم، و من جهة أخرى العدوّ القوي السّفاك
الغاضب.
إلّا أنّ
اللّه الذي كان يريد إنقاذ هذه الأمّة المظلومة المحرومة المؤمنة من قبضة
الظالمين، و أن يهلك الظالمين في البحر، أمر موسى أن امض بقومك
فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً طريقا متى
ما مضيت فيه ف لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى.
الطريف هنا
أنّ الطريق لم يفتح و حسب، بل كان طريقا يابسا صلبا بأمر اللّه، مع أنّ مياه النهر
أو البحر إذا ما انحسرت جانبا فإنّ قيعانها تبقى عادة غير قابلة للعبر عليها.
يقول الراغب
في مفرداته: «الدّرك» أقصى عمق البحر، و يقال للحبل الذي يوصل به حبل آخر ليدرك به
الماء «درك»، و كذلك يقال للخسارة التي تصيب الإنسان «درك» و يقال «دركات النّار»-
في مقابل درجات الجنّة أي حدودها و طبقاتها السفلى.
و لكن مع
ملاحظة أنّ بني إسرائيل- و طبقا للآية (61) من سورة الشعراء- لمّا علموا بخبر
مجيء جيش فرعون، قالوا لموسى: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ،
و هذا يعني أنّ المراد من الدرك في الآية هنا، أنّ جيش فرعون سوف لن يصل إليكم، و
المراد من (لا تخشى) أنّ أي خطر لا يهدّدكم من ناحية البحر.
و بذلك فإنّ
موسى و بني إسرائيل قد ساروا في تلك الطرق التي فتحت في أعماق البحر بعد انحسار المياه
عنها. في هذه الأثناء وصل فرعون و جنوده إلى ساحل البحر فدهشوا لهذا المشهد المذهل
المثير غير المتوقّع، و لذلك أعطى فرعون أمرا لجنوده باتّباعهم، و سار هو أيضا في
نفس الطريق: فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ