فمثلا نقرأ
في شأن قوم لوط الذين لم يؤمنوا بنبيّهم أبدا: وَ
أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ[1] و نقرأ في سورة الفرقان في الآية 31:
تبيّن قصّة
السّحرة في الآيات المذكورة أنّ القول بأنّ البيئة تملي أو تفرض على صاحبها مساره
في الحياة ليس سوى و هم فارغ، فإنّ الإنسان فاعل مختار، و صاحب إرادة حرّة، فإذا
صمّم في أي وقت فإنّه يستطيع أن يغيّر مسيره من الباطل إلى الحقّ، حتّى لو كان كلّ
الناس في تلك البيئة غارقين في الذنوب و الضلال، فالسّحرة الذين كانوا لسنين طويلة
في ذلك المحيط الملوّث بالشرك، و كانوا يرتكبون بأنفسهم و يعملون الأعمال
المتوغّلة في الشرك عند ما صمّموا على قبول الحقّ و الثبات عليه بعشق، لم يخافوا
أي تهديد، و حقّقوا هدفهم، و على قول المفسّر الكبير العلّامة الطبرسي: (كانوا
أوّل النهار كفّارا سحرة، و آخر النهار شهداء بررة) [2].
و من هنا
يتّضح- أيضا- مدى ضعف و عدم واقعيّة أساطير الماديين، و خاصة الماركسيين حول نشأة
الدين و تكوّنه، فإنّهم اعتبروا أساس كلّ حركة هو العامل الاقتصادي، في حين أنّ
الأمر هنا كان بالعكس تماما، لأنّ السّحرة قد حضروا حلبة الصراع نتيجة ضغط أجهزة
فرعون من جانب، و الإغراءات الاقتصادية من جانب آخر، إلّا أنّ الإيمان باللّه قد
محا كلّ هذه الأمور، فقد انهار المال و الجاه الذي وعدهم فرعون به عند أعتاب
إيمانهم، و وضعوا أرواحهم العزيزة هديّة لهذا العشق!