ممّا يلفت
النظر أنّ هؤلاء اختاروا أكثر التعابير منطقيّة إزاء فرعون و كلامه غير المنطقي،
فقالوا أوّلا: إنّنا قد رأينا أدلّة واضحة على أحقيّة موسى و دعوته الإلهيّة، و
سوف لا نكترث بأي شيء و لا نقدّمه على هذه الدلالات البيّنة، و أكّدوا هذا الأمر
فيما بعد بجملة وَ الَّذِي فَطَرَنا و ربّما كان هذا التعبير بحدّ
ذاته- مع ملاحظة كلمة (فطرنا)- إشارة إلى ما هم عليه من الفطرة التوحيديّة،
فكأنّهم قالوا: إنّنا نشاهد نور التوحيد من أعماق وجودنا و أرواحنا، و كذلك
بالدليل العقلي، و مع هذه الآيات البيّنات كيف نستطيع أن نترك هذا الصراط
المستقيم، و نسير في طريقك المنحرف؟
و يلزم
الالتفات إلى هذه النكتة أيضا، و هي أنّ جمعا من المفسّرين لم يعتبروا جملة
وَ الَّذِي فَطَرَنا قسما، بل عدّوها عطفا على
ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ و بناء على هذا سيصبح معنى الجملة:
إنّنا سوف لن نؤثرك أبدا على هذه الأدلّة الجلية، و على اللّه الذي خلقنا.
غير أنّ
التّفسير الأوّل يبدو أقرب للصحّة، لأنّ عطف هاتين الجملتين بعضهما على بعض غير
مناسب. «فلاحظوا بدقّة»!
3- من هو
المجرم؟
بملاحظة
الآيات الشريفة التي تقول: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ
مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ و التي يظهر منها خلود العذاب،
يتبادر هذا السؤال: ترى هل لكلّ مجرم هذا المصير؟
إلّا أنّه
بالالتفات إلى أنّ الآية التالية قد بيّنت النقطة المقابلة لذلك، و جاءت فيها كلمة
«المؤمن» يتّضح أنّ المراد من المجرم هنا هو الكافر، إضافة إلى أنّه ورد في القرآن
كثيرا استعمال هذه الكلمة بمعنى الكافر.