يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً و هذا يبيّن
بطلان عقيدة الوثنيين الذين كانوا يرون أنّ اللّه سمح لهم بعبادة الأوثان و أنّها
تشفع لهم عند اللّه. و تضيف الآية وَ ما
لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ أي يعبدون
عبادة لا يملكون دليلا على صحّتها لا من طريق الوحي الإلهي، و لا من طريق
الاستدلال العقلي، و من لا يعمل بدليل يظلم نفسه و غيره، و لا أحد يدافع عنه يوم
الحساب، لهذا تقول الآية في ختامها: وَ ما
لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ.
قال بعض المفسّرين: إنّ النصير هنا الدليل و البرهان، لأنّ المعيّن الحقيقي هو
الدليل ذاته [1].
كما يحتمل أن يكون النصير مرشدا و مكمّلا للبحث السابق، أي أنّ المشركين لا
يدعمهم دليل إلهي و لا عقلي، و ليس لهم قائد و لا مرشد و لا معلّم يهديهم و
يسدّدهم للحقّ الذي فقدوا حمايته و الاستنارة به، بظلمهم أنفسهم، و لا خلاف بين
هذه التفاسير الثلاثة التي يبدو أنّ أوّلها أكثر وضوحا من غيره.
و تشير الآية الثّانية موضع البحث إلى عناد الوثنيين و استكبارهم عن الاستجابة
لآيات اللّه تعالى، في جملة وجيزة لكنّها ذات دلالات كبيرة: وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ
فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ[2].
و هنا يسفر التناقض بين المنطق القرآني القويم و تعصّب الجاهلية الذي لا يرضخ
للحقّ و لا يفتح قلبه لندائه الرحيم، فما تليت عليهم آيات ربّهم إلّا ظهرت علائم
الاستكبار عنها في وجوههم حتّى إنّهم يَكادُونَ
يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا أي كأنّهم يريدون مهاجمة الذين يتلون عليهم آيات اللّه- عزّ و جلّ- و ضربهم
بقبضات أيديهم، تنفيسا عن التكبّر البغيض في قرارة أنفسهم.
كلمة «يسطون» مشتقّة من «السطوة» أي رفع اليد و مهاجمة الطرف الآخر، و هي في
الأصل- كما قال الراغب الاصفهاني في مفرداته- قيام الفرس على
[1]- الميزان، و تفسير الفخر الرازي،
في تفسير الآية موضع البحث.
[2]- «المنكر» مصدر ميمي يعني
الإنكار، و بما أنّ الإنكار أمر باطني لا يمكن مشاهدته، فالمراد هنا علائمه و
نتائجه.