رغم أنّنا بحثنا مسألة الجهاد بحثا واسعا [1] قبل هذا، إلّا أنّه مع ملاحظة احتمال أن تكون
الآيات- موضع البحث- أولى الآيات التي أجازت للمسلمين الجهاد، و احتوت إشارة إلى
فلسفة هذا الحكم، وجدنا ضرورة تناولها بإيجاز.
و قد أشارت هذه الآيات إلى أمرين مهمّين في فلسفة الجهاد:
أوّلهما: جهاد المظلوم للظالم، و هو من حقوقه المؤكّدة و الطبيعيّة، التي
يؤكّدها عقل الإنسان و فطرته. و ليس له أن يستسلم للظلم، بل عليه أن ينهض و يصرخ و
يتسلّح ليقطع دابر الظالم و يدفعه.
و ثانيهما: جهاد الطواغيت الذين ينوون محو ذكر اللّه من القلوب بتهديم المعابد
التي هي مراكز لبثّ الوعي و إيقاظ الناس، فيجب مناهضة هؤلاء لمنعهم من محو ذكر
اللّه بتخديرهم، ثمّ جعلهم عبيدا لها.
و ممّا يلفت النظر أنّ تخريب المعابد و المساجد لا يعني تخريبها مادّيا فقط،
بل قد يكون بأساليب غير مباشرة كثيرة، كإشاعة برامج التسلية و الترفيه المقصودة، و
بثّ الدعايات المسمومة، و الإعلام المضادّ لحرف الناس عن المساجد، فتحوّل أماكن
العبادة إلى خرائب مهجورة.
و في هذا جواب لمن يسأل: لماذا أجيز للمسلمين استخدام القوّة و خوض الحرب
لتحقيق أهدافهم؟ و لماذا لا يتمّ تحقيق الأهداف الإسلامية باللجوء إلى التعقّل و
المنطق؟
و هل يفيد المنطق ذلك الظالم الذي يهجّر المسلمين من ديارهم لا لذنب اقترفوه
سوى اعتقادهم بتوحيد اللّه. فتراه يستولي على منازلهم و أموالهم،
[1]- تناولنا فلسفة الجهاد بالبحث في
تفسير الآية 193 من سورة البقرة.