إليه من جميع الأنحاء، قربت أم بعدت، تجذب الشاب و الشيخ و الصغير و الكبير،
من كلّ أمّة و مكان، بعيدا أم قريبا، الكل يلبّون اللّه يأتونه عشّاقا ليروا مظاهر
ذات اللّه الطاهرة في تلك الأرض المقدّسة بأعينهم، و يشعروا برحمته التي لا حدود
لها من أعماق وجودهم [1].
و تناولت الآية التالية فلسفة الحجّ في عبارة موجزة ذات دلالات عديدة فقالت: لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ. أي أنّ على الناس الحجّ إلى هذه الأرض المقدّسة، ليروا منافع لهم بأم
أعينهم.
و قد ذكر المفسّرون لكلمة المنافع الواردة في الآية عدّة معان، إلّا أنّه لا
تحديد لمعناها كما يبدو من ظاهر الآية، فهي تشمل جميع المنافع و البركات المعنوية
و المكاسب المادية، و كلّ عائد فردي و اجتماعي و فلسفة سياسيّة و اقتصادية و
أخلاقية. فما أحرى المسلمين أن يتوجّهوا من أنحاء العالم إلى مكّة ليشهدوا هذه
المنافع! إنّها لعبارة جميلة! ما أولاهم أن يجعلهم اللّه شهودا على منافعهم! ليروا
بأعينهم ما سمعوه بآذانهم! و على هذا ذكر
في كتاب الكافي حديثا عن الإمام الصادق عليه السّلام في الردّ على استفسار ربيع بن خيثم عن كلمة المنافع ...، منافع الدنيا أو
منافع الآخرة؟ فقال:
[1]- يقول العالم الفاضل العلامة
الشعراني رضى الله عنه: إن ذلك ليس عجيبا بالنسبة للذين يأتون إلى مكة من الأندلس
أو المغرب أو من أنحاء نائية في الصين أو من استرالية. حيث يستغرق سفرهم زمنا
طويلا يصل إلى عدة أشهر نظرا لوسائط النقل التي كانت تستعمل آنذاك و افتقاد الطرق
للأمن (إضافة إلى ذلك كان البعض من المتولهين ببيت الله يتعرضون إلى السرقة في
الطريق فيضطرون إلى العمل من أجل إعداد مؤنة باقي الطريق إلى بيت الله الحرام).
[2]- تفسير نور الثقلين، المجلد
الثالث، الصفحة 488 نقلا عن كتاب الكافي.