جاء في القرآن المجيد ذكر «السجود العامّ» لجميع المخلوقات في العالم، و كذا
«التسبيح» و «الحمد» و «الصلاة»، و أكّد القرآن الكريم على أنّ هذه العبادات
الأربع، لا تختص بالبشر وحدهم، بل يشاركهم فيها حتّى الموجودات التي تبدو عديمة
الشعور. و على الرغم من أنّنا بحثنا في ختام الآية الرّابعة و الأربعين من سورة
الإسراء عن حمد الموجودات و تسبيحها بحثا مسهبا، و تناولنا سجود المخلوقات العامّ
للّه في تفسير الآية الخامسة عشرة من سورة الرعد، نجد الإشارة إلى هذا الحمد و التسبيح
الكوني العامّ ضرورية.
إنّ للموجودات مع ملاحظة ما ورد في الآية- موضع البحث- شكلين من السجود «سجود
تكويني» و «سجود تشريعي».
فالسجود التكويني هو الخضوع و التسليم لإرادة اللّه و نواميس الخلق و النظام
المسيطر على هذا العالم دون قيد أو شرط، و هو يشمل ذرّات المخلوقات كلّها، حتّى
أنّه يشمل خلايا أدمغة الفراعنة و المنكرين العنودين و ذرّات أجسامهم فالجميع
يسجدون للّه تعالى تكوينا.
و حسبما يقوله عدد من الباحثين، فإنّ ذرّات العالم كلّها لها نوع من الإدراك و
الشعور، و لذا يسبّحون اللّه و يحمدونه و يسجدون له و يصلّون له بلسانهم الخاص
(شرحنا ذلك في تفسير الآية الرّابعة و الأربعين من سورة الإسراء) و إذا رفضنا هذا
النوع من الإدراك و الشعور، فلا مجال لإنكار تسليم الكائنات جميعا للقوانين
الحاكمة على نظام الوجود كلّه.
أمّا «السجود التشريعي» فهو غاية الخضوع من العقلاء المدركين العارفين للّه
سبحانه. و هنا يثار سؤال، و هو أنّه إذا كان السجود العامّ يشمل المخلوقات و جميع
البشر، فلما ذا خصّصته الآية المذكورة أعلاه ببعض البشر لا كلّهم؟