و عبارة «على حرف» ربّما تكون إشارة إلى أنّ إيمانهم باللسان فقط، و أنّ
قلوبهم لم تر بصيصا من نوره إلّا قليلا، و قد تكون إشارة إلى أنّ هذه المجموعة
تحيا على هامش الإيمان و الإسلام و ليس في عمقه، فأحد معاني «الحرف» هو حافّة
الجبل و الأشياء الاخرى. و الذي يقف على الحافّة لا يمكنه أن يستقرّ. فهو قلق في
موقفه هذا، يمكن أن يقع بهزّة خفيفة، و هكذا ضعاف الإيمان الذين يفقدون إيمانهم
بأدنى سبب.
ثمّ تناول القرآن الكريم عدم ثبات الإيمان لدى هؤلاء الأشخاص فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ
أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ[1] إنّهم يطمئنون إذا ضحكت لهم الدنيا و غمرتهم
بخيراتها! و يعتبرون ذلك دليلا على أحقّية الإسلام.
إلّا أنّهم يتغيّرون و يتّجهون إلى الكفر إن امتحنوا بالمشاكل و القلق و
الفقر، فالدين و الإيمان لديهم وسيلة للحصول على ما يبتغون في هذه الدنيا، فإن تمّ
ما يبغونه كان الدين حقّا، و إلّا فلا.
و ذكر «ابن عبّاس» و مفسّرون قدماء سبب نزول هذه الآية: «أنّها نزلت في أعراب
كانوا يقدمون على النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلم بالمدينة مهاجرين من باديتهم،
فكان أحدهم إذا صحّ بها جسمه و نتجت فرسه مهرا حسنا. و ولدت امرأته غلاما و كثر
ماله و ماشيته، رضي به و اطمأنّ إليه، و إن أصابه وجع و ولدت امرأته أنثى أو أجهضت
فرسه أو ذهب ماله أو تأخّرت عنه الصدقة، أتاه الشيطان و قال له: ما جاءتك هذه
الشور إلّا بسبب هذا الدين. فينقلب عن دينه» [2].
و ممّا يلفت النظر أنّ القرآن الكريم يعبّر عن إقبال الدنيا على هؤلاء الأشخاص
بالخير. و عن إدبارها بالفتنة (وسيلة الامتحان) و لم يطلق عليها كلمة
[1]- كلمة «انقلب» في جملة «انقلب على
وجهه» تعني التراجع. و يمكن أن تكون إشارة إلى ترك الإيمان تماما، حتّى إنّه لا
يعود إليه. فهو غريب عن الإيمان دوما.
[2]- تفسير الفخر الرازي، المجلّد
الثّالث و العشرون، ص 13، و تفسير القرطبي، المجلّد السادس، ص 4409.