فهذه الآيات المباركة كالآية السابقة تصرّح بالمعاد الجسماني. و إلّا فما هو
وجه التشابه بين المعاد الروحي، و مراحل الجنين و إحياء الأرض الموات بنمو
النباتات؟ و يؤكّد ذلك ختام الآيات التي نحن بصددها إذ تقول: وَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ و القبر موضع جسم الإنسان و ليس روحه.
و أساسا فانّ تعجّب المشركين إنّما هو من البعث الجسماني، فهم يقولون:
كيف يمكن للإنسان أن يعود للحياة ثانية بعد ما صار ترابا؟ و بقاء الروح لم يكن
شيئا عجبا، لأنّه كان موضع قبول و رضى الأقوام الجاهلية.
3- ما هو «أرذل العمر»؟
«الأرذل» مشتقّة من «رذل» أي المنحطّ
و غير المرغوب فيه. و يقصد ب «أرذل العمر» تلك المرحلة من عمر الإنسان التي هي
أكثر انحطاطا و غير مرغوب فيها لما يفقده فيها الإنسان من القوّة و الذاكرة، و لما
يغلبه فيها من الضعف و الانفعال، حتّى تراه يغتاظ من أدنى شيء، و يرضى و يفرح لا
يسر شيء، و يفقد سعة صدره و صبره، و ربّما قام بحركات طفولية. مع فارق بينه و بين
الطفل و هو أنّ الناس لا يتوقّعون منه ذلك، لأنّه ليس طفلا، مضافا إلى أنّ الطفل
يؤمل في أن يكبر و ينضج جسديّا و نفسيّا و تزول عنه هذه الحركات الصبيانية، لهذا يتركوا
أحرارا في ممارستها، و ليس كذلك في الفرد المسنّ، أي أنّ الطفل ليس لديه شيء
ليفقده، و لكن المسنّ يفقد رأس مال حياته بذلك. و على هذا فإنّ وضع الشيوخ
المعمّرين يثير الشفقة و الأسى عند مقارنته بوضع الأطفال.
و جاء في بعض الأحاديث أنّ أرذل العمر هو الذي يبلغ مائة عام و أكثر [1] و قد تعني هذه
العبارة نوع الأشخاص، و إلّا فهناك من يبلغ هذه الحالة و سنّهم أقل من
[1]- تفسير نور الثقلين، المجلّد
الثّالث، الصفحة 472.