أنّه قد أدّى كلّ رسالته بين قومه العاصين، و لم يترك حتّى «الأولى» في هذا
الشأن، فلو تركهم و شأنهم فلا شيء عليه، مع أنّ الأولى هو بقاؤه بينهم و الصبر و
التحمّل و التجلّد، فلعلّهم ينتبهون من غفلتهم و يتّجهون إلى اللّه سبحانه.
و أخيرا، و نتيجة تركه الأولى هذا، ضيّقنا عليه فابتلعه الحوت فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ
سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فقد ظلمت نفسي، و ظلمت قومي، فقد كان ينبغي أن أتقبّل و أتحمّل أكثر من هذه
الشدائد و المصائب، و أواجه جميع أنواع التعذيب و الآلام منهم فلعلّهم يهتدون.
و تقول الآية التالية:
فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي
الْمُؤْمِنِينَ أجل لم يكن هذا الأمر خاصّا بيونس، بل هو لطف
اللّه الشامل فكلّ مؤمن يعتذر من ربّه عن تقصيره و يسأله العون و المدد و الرحمة
فإنّ اللّه سيستجيب له و يكشف عنه غمّه.
بحوث
1- قصّة يونس عليه السّلام
ستأتي تفاصيل قصّة يونس في تفسير سورة الصافات إن شاء اللّه تعالى، أمّا
ملخّصها فهو:
إنّ «يونس» كان لسنين طوال مشتغلا بالدعوة و التبليغ بين قومه في أرض نينوى
بالعراق، و لكن رغم كلّ ما بذله من جهود و مساع فإنّ إرشاداته و توجيهاته لم تؤثر
في قلوبهم، فغضب و هجر تلك الأرض، و ذهب باتجاه البحر و ركب السفينة، و أثناء
الطريق هاج البحر، فكاد كلّ ركّاب السفينة أن يغرقوا.
و هنا قال ربّان السفينة: إنّي أظنّ أنّ بينكم عبدا هاربا يجب أن يلقى في
البحر- أو إنّه قال: إنّ السفينة ثقيلة جدّا و يجب أن نلقي فردا منّا تخرجه