و لمّا كان من الممكن أن يوجد هذا التّوهّم، و هو: ما حاجة اللّه إلى إيماننا
و عبادتنا؟
فإنّ الآيات التي نبحثها تجيب أوّلا عن هذا التوهّم، و تقول: وَ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ، وَ مَنْ
عِنْدَهُ (أي الملائكة) لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ لا
يَسْتَحْسِرُونَ[1]
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ.
و مع هذا الحال فأي حاجة لطاعتكم و عبادتكم؟ فكلّ هؤلاء الملائكة المقرّبين
مشغولون بالتسبيح ليلا و نهارا، و هو تعالى لا يحتاج حتّى لعبادة هؤلاء، فإذا كنتم
قد أمرتم بالإيمان و العمل الصالح و العبودية فإنّ كلّ ذلك سيعود بالنفع عليكم.
و هنا نقطة تلفت الانتباه أيضا، و هي أنّه في نظام العبيد و الموالي الظاهري،
كلّما تقرّب العبد من مولاه يقلّ خضوعه أمامه، لأن يختصّ به أكثر، فيحتاجه المولى
أكثر. أمّا في نظام عبوديّة الخلق و الخالق فالأمر على العكس، فكلّما اقتربت
الملائكة و أولياء اللّه من اللّه سبحانه زادت عبوديتهم [2].
و بعد أن نفت في الآيات السابقة عبثيّة و لا هدفيّة عالم الوجود، و أصبح من
المسلّم أنّ لهذا العالم هدفا مقدّسا، فإنّ هذه الآيات تتطرّق إلى بحث مسألة وحدة
المعبود و مدبّر هذا العالم، فتقول: أَمِ
اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ[3].
و هذه الجملة في الحقيقة إشارة إلى أنّ المعبود يجب أن يكون خالقا، و خاصّة
خلق الحياة، لأنّها أوضح مظاهر الخلق و مصاديقه. و هذا في الحقيقة يشبه ما نقرؤه
[1]- «يستحسرون» في الأصل من مادّة
حسر، و في الأصل تعني رفع النقاب و الستار عن الشيء المغطّى، ثمّ استعملت بمعنى
التعب و الضعف، فكأنّ كلّ قوى الإنسان تصرف في مثل هذه الحالة، و لا يبقى منها
شيء مخفي في بدنه.
[3]- «ينشرون» من مادّة نشر، أي فكّ
الشيء المعقّد الملفوف، و هو كناية عن الخلق و انتشار المخلوقات في أرجاء الأرض و
السّماء. و يصرّ بعض المفسّرين على اعتبار هذه الجملة إشارة إلى المعاد و رجوع
الأموات إلى الحياة من جديد، في حين أنّه بملاحظة الآيات التالية سيتّضح أنّ
الكلام عن توحيد اللّه و أنّه المعبود الحقيقي، و ليس عن المعاد و الحياة بعد
الموت.